قصة نساء مكافحات |
|||||
قصة لثلاث نسوة مررن بالكثير من المحن طيلة حياتهن اختلفت النساء و اختلفت الأسر لكن القصة متشابهة إلى حد بعيد حتى لو اختلفت الظروف و التفاصيل. قصة زوجة أنجبت ثلاثة أطفال لكن الزوج بعد مدة من الزمن رحل دون أن يعلم أحد و لم يعد أبدا إلى البيت كان سهلا عليه أن يترك كل شيء و يتزوج من امرأة أخرى ليبدأ حياة جديدة بعيدا عن أطفاله لم ينظر إلى الخلف مطلقا و لو لمرة واحدة و لم يسال أبدا عن أولاده الصغار .....كيف هم هل يأكلون هل يشربون ؟ هل يدرسون ؟ هل هم سعداء أم تعساء ؟ لم يفكر قط في زوجته السابقة و لا حتى في أولاده يوما. و تمر الأيام بسرعة بالنسبة إليه و تمر ببطء شديد و بصعوبة كبيرة بالنسبة إلى عائلته التي تركها وراءه من غير حول لها و لا قوة. كانوا جميعا يحتاجون إلى الأكل و الشرب و الدراسة و الألبسة و الأدوية ناهيك عن حاجتهم إلى الرعاية و الاهتمام و الحنان و كان لا بد للأم في تلك الظروف الصعبة أن تعمل رغما عنها حتى تكسب قوتها و قوت أولادها الذين أصبحوا فجأة مسؤوليتها لوحدها . و كانت تلك المسؤولية التي ألقيت فجأة على عاتق أولائك النسوة تكبر بمرور الأيام شيئا فشيئا كلما كبر الأطفال و زادت مطالبهم و احتياجاتهم في الحياة .... و تحولت مسؤولياتهم تلك إلى معاناة مع كبر سنهن . الزوجة الأولى كانت تدعى خديجة و الثانية عائشة و الثالثة حليمة . عملت خديجة كخياطة و عائشة عملت لمدة وجيزة في شركة حلفاء ثم انتقلت إلى أعمال أخرى كمربية أطفال ثم كمنظفة في مدارس و مؤسسات تربوية أما حليمة فقد عملت أعمالا صغيرة حرة من بيع ملابس إلى إكسسوارات و غيرها و كانت تلك النساء تنهضن باكرا كل يوم تتحملن المشقات و المتاعب كلها وحدهن كل ذلك من أجل أن لا تجعل أولادهن يحتاجون إلى شيء في غياب الوالد الذي قرر نسيانهم إلى الأبد و لم يفكر في أن يسأل عنهم و لو بالهاتف . و مرت السنوات بشتائها القارس وربيعها و صيفها و خريفها بكل ما فيها من آلام و أحزان ..... و كانت النسوة كل تلك الفترة من الزمن تعانين ظروفا جد صعبة و بائسة حتى كبر الأطفال و صاروا يعتمدون على أنفسهم. ذاقت الأمهات الويلات طيلة تلك المدة من الزمن لكنهن كن صابرات قويات من أجل أطفالهن. كان لا ينقصهم شيء سوى حنان الأب و رعايته لكن رغم كل ذلك تجاوزوا المحن و أصبحوا رجالا و نساء.... فمنهم من أكمل دراسته ثم تزوج و أنشأ أسرة و منهم من كان يحس بالنقص و تسبب له ذلك في أمراض نفسية و عقد لم تكن تخطر ببال احد . لم يعلم الأب حين رحل مقدار الفراغ الذي تركه و لا مقدار الألم الذي خلفه وراءه لم يعلم انه تسبب في ضياع بعض أطفاله و رغبتهم في الانتقام من أنفسهم لا شعوريا لأنهم كانوا يحسون دائما بحاجتهم الشديدة إلى الرعاية الأبوية. رحل الأب و تزوج و أنجب أطفالا آخرين و نسي تماما أسرته الأولى و أكمل حياته غير آبه بظروف حياتهم و لا بكمية الحزن و الأسى الذي طبعه في قلوب فلذات أكباده....... منتهى اللامسؤولية منه و الأنانية و الجبن ..... لم يعد يرى و لم يعد يهتم للأسف إلا بعائلته الثانية و حياته الجديدة.
كانت خديجة نعم الأم و نعم المرأة كانت قوية أو كانت مرغمة أن تبدو كذلك لأنها كانت تبدو حادة الطباع و أخذت دور الأب و الأم معا و بمرور الأيام صارت تشتكي من ألام بظهرها من كثرة الانحناء بسبب مهنتها الصعبة كخياطة. عائشة كانت هي الأخرى تعمل كخياطة من حين لأخر إلى جانب مهنتها في المؤسسة كمنظفة و قد انتقلت إلى عدة أماكن أخرى من أجل قوت عيالها حتى أنها تعبت كثيرا خاصة بعد أن أحيلت إلى التقاعد و بدأت تشتكي من النسيان يوما بعد يوم و أصيبت المسكينة بمرض الزهايمر.... لحسن حظها فان ابنتها الكبرى المتزوجة صارت تعتني بها و تزورها كل مرة حتى تقوم بخدمتها لكن مع ذلك بدأت صحتها تتدهور رويدا رويدا لأن ذلك المرض لا يرحم و لا يرجى الشفاء منه للأسف .
أما عن حليمة فقد كانت تعمل كبائعة حرة فأحيانا كانت تبيع الملابس و أحيانا أخرى الإكسسوارات لكنها بدأت تعاني من كبر سنها و انتقلت إلى عمل آخر فكانت أحيانا تعمل في الحقول تجمع مع بعض النسوة بعض المحاصيل الزراعية المختلفة حسب المواسم مثل البطاطس و الطماطم و غيرها ...... و كانت قد فقدت ابنها اثر حادث و هو لا يزال في السابعة عشر من عمره فحزنت عليه حزنا شديدا و تأثرت بتلك الحادثة و بمرور الأيام مرضت و أرقدها المرض الفراش إلى أن انتقلت إلى رحمة الله. لم يذهب جهد و تعب الأمهات هباء فقد أصبح الأولاد و البنات رجالا و نساء مستعدون لمتابعة مسيرة الأمهات و تحدي الظروف الصعبة و تربية أبنائهم تربية حسنة رغم كل الذين مروا به من متاعب و محن إلا أنه لم يسلم البعض منهم من أزمات نفسية و أمراض مختلفة بسبب المعاناة في الصغر. تلك هي قصة النسوة الثلاث اللواتي كن صامدات قويات و مكافحات لقد أثبتن أنهن قادرات على تحمل المسؤولية رغم كبرها و صعوبتها من دون أزواجهن إلى جانبهن و قد تمكن من تربية أبنائهن و القيام بكل واجباتهن تجاههم . هي قصة أليمة دفع الجميع ثمنها و لازال البعض منهم يدفع حتى الآن. هي قصة نساء مظلومات قاسين و عانين و تحملن كثيرا و استحقين أن نلقبهن بجدارة نساء مكافحات صامدات . أي نعم ...إلى الآن و حتى هذه اللحظات لا زال الجميع يدفع ثمن كل ذلك و حتى بعد موت الآباء كلهم أما عن الأمهات فإحداهن رحلت عن هذا العالم لكنها اطمأنت عن أولادها من بعدها و الثانية بعد أن أدركت الستينات من عمرها أصيبت بمرض النسيان الذي قهرها و حرمها من متعة مشاهدة أبنائها من حولها للأسف الشديد فقد أصبحت المرأة لا تستطيع الكلام و لا الحركة أما عن الثالثة فهي لا زالت تعاني حتى بعد كبر سنها و تكاثرت عليها المشاكل من الأبناء من كل ناحية . نداء ابعثه إلى جميع الآباء: لا تتركوا أبناءكم حتى لو اضطررتم إلى الانفصال عن زوجاتكم قوموا برعايتهم واهتموا بهم و احموهم من لسعات الزمن و قساوته و قدموا لهم كل العناية و كل الرعاية و الحنان لا ذنب لهم في أخطائكم فلا تدعوهم يتحملونها لأنها فوق طاقتهم هم يحتاجون لكم كما يحتاجون لأمهاتهم ليكبروا سالمين مطمئنين . الكاتبة: بختي فطيمة
|