_ " لقد مر شهر على تعرفنا , لذا حان الوقت لتخبرني من تكون ؟ فاسمك في جهازي لا يزال شخص مجهول " إرسال .
بعد بضعة ثواني " تمت القراءة " بقيت أنتظر الرد , مددت يدي إلى علبة رقائق البطاطا بجانب الكمبيوتر فأخرجتها فارغة و لم أجد سوى الملح الملتسق بأصابعي , لعقت ذلك الملح و قد كنت اشعر بالعطش لذا أسرعت إلى المطبخ , فتحت البراد و انتشلت قارورة الماء البارد من الرف الملتصق بالباب , فتحت الدرج العلوي بجانب المغسلة و أخرجت كوبا زجاجي و ملأته حتى آخره ثم شربته لأروي ظمئي . عدت لمقعدي أمام جهاز الكمبيوتر في غرفة النوم و كان الرد قد وصل بالفعل و كان كالآتي _ " عزيزتي يون هي .. أنا حقا آسف للغاية , لكنني في الواقع جاركم السيد " بارك بونق سوك" و الذي تعودتي على مناداتي أجاشي .. أتمنى أن لا تصابي بنوبة جنون لأنك خلتني وسيما بينما كانت تلك الصور التي أرسلتها لكي صور حفيدي الذي يعيش بأمريكا . " بعد انتهائي من القراءة وصلت رسالة أخرى و قد ورد فيها _" لم أكن أعرف من تكونين في البداية , لكن جذبتني طريقة حديثك بالتالي استمريت في الكذب حتى أتعرف عليك , و عندما علمت أنك ابنت الأستاذة كانغ سو مين , لم أستطع مصارحتك بالحقيقة . لكنني الآن اكتفيت من خداعك يا صغيرتي يون هي و لا أريدك أن تعيشي في الأوهام أكثر . و أظن أن هذا درس جيد لك في الحياة حتى لا تثقي بالأشخاص عبر مواقع التواصل الإجتماعي ." كنت أكتب و أمحي عديدا من المرات قبل أن أرسل رسالتي الكاملة فلم أجد الحروف المناسبة لوصف الكلام القبيح الذي كنت أود قوله له . ثم بدأت بالكتابة من جديد _ " أيها الأجاشي الخرف , سوف تدفع الثمن غاليا لأنك تلاعبت بي ثم لا تنسى أن والدي شرطي و سيجعلك تندم كثيرا إن علم بهذا . أنا أتسائل فحسب من هو الأحمق الذي فتح لك حسابا في الفايسبوك و علمك كيف تكتب حتى . إنك جيد فقد في مداعبة الفتيات الجميلات بالكلام المثير بينما أنت في الواقع عجوز قبيح لا يفهم شيئا على الإطلاق . " إرسال ..
لكنني لم أكتفي عند هذا الحد و قبل أن أحضره من حسابي و قبل أن أسمح له بأن يدافع عن نفسه أو يبعث أي رسالة أخرى كتبت آخر كلماتي _" لعلمك فقط يا وجه السمكة أنا و كل من بالحي ندعوك بهذا اللقب و نضحك عليك كثيرا عندما تدير ظهرك لتمشي ..و لا أعلم كيف لشخص بشع مثلك أن يكون له حفيد بتلك الوسامة ... " أرسلت رسالتي و حضرته على الفور , و محيت كل رسائله الغبية من جهازي .
شعرت بالغضب و السخط و أيضا بالعار لما لحقت إليه بسبب غبائي , كانت غرفتي في حال من الفوضى العارمة , رفعت شعري عاليا و أغلقت ذلك الجهاز الغبي و انشغلت بتنظيف الفوضى حولي , حتى سمعت الباب يدق , أطفأت المكنسة الكهربائية و نزعتها من مقبس الكهرباء و أسرعت نحو الباب حتى أفتحه .
_ "سو جين ! لقد نسيت موعدنا اليوم تماما .. تباا لي . " صديقتي سو جين شابة في الثامنة عشر من العمر , صاحبة عينين صغيرتين بنيتين تتناسبان مع لون شعرها القصير و الذي كانت لاطالما تفرده على وجهها البيضوي الجميل , لقد كانت في نظر الشباب الفتاة الأكثر جمالا و جاذبية بين زميلات صفي , كانت في ذلك اليوم ترتدي تنورة قصيرة زاهية الألوان و قد كانت تبدو مناسبة للخروج من أجل حضور حفلة عيد ميلاد زميلة لنا . حدقت إلي بشكل غريب ثم وضعت كلتا يديها على كتفي و اقتربت من وجهي قائلة _" أنتي حتى لم تدعيني إلى الدخول .. ثم أنظري إلى نفسك , تبدين مضحكة بهذا الزي ." اقتربت من أذني و ألقت كلمة _ ما خطبك ؟ هل تشاجرت مع شخصك السري ؟ " وضعت إصبعي على منتصف جبهتها و أبعدتها عني , ثم سمحت لها بالدخول لغرفة المعيشة بينما أنشغلت بتنظيف البيت من جديد , لكن تعطلت المكنسة الكهربائية و لم أعد أستطيع تشغيلها مجددا ..
_ " تباا! لما حظي سيئ بهذا الشكل اليوم ؟؟ حتى هذه الآلة الغبية تسخر مني " حينها لم أجد نفسي إلا و قد ارتميت فوق الأريكة و أجهشت بالبكاء . أسرعت نحوي سو جين في هلع و أسندت رأسي على كتفها و بدأت تغني أغنية غريبة لاطالما كانت ترددها حينما تشعر بسوء , ذلك أن والدها المتوفى كان يغنيها لها حينما كانت صغيرة حتى تستطيع النوم و بالتالي فقد علقت بذهنها إلا الآن .
بعد مرور بعض من الوقت السيئ هدأت أعصابي أخيرا و ساعدتني سوجين على تنظيف المكان , و ترتيب كل شيئ في مكانه , فوالدتي متغيبة عن المنزل منذ يومان و أنا و والدي أثرنا فوضى كبيرة في البيت و ولو عادت والدتي و رأت ما حل ببيتها , حتما سأبيت خارجا دون عشاء . على أية حال فالحديث لم يكن أقوى ما لدي و خاصة عندما أغضب لذا كان وقتا كئيبا و صامتا الذي استغرقناه في التنظيف . ارتفعت حرارة أجسادنا على إثر قيامنا بمجهود عضلي , لذا حضرت لنا عصيرا من الفواكه الطازجة و اصطحبتها لغرفتي كي نتحدث .
_ " إذن تقولين أن جاركم السيد بارك بونق سوك هو من كان الشخص المجهول طيلة هذا الوقت!! ؟ ذلك ال... " تفوهت ببعض من الكلام الفاحش عن ذلك العجوز الخرف , الشيئ الذي حرك منطقة الراحة داخلي ذلك أن كل تلك العبارات السيئة التي قلتها عنه سابقا لم تكن كافية بالنسبة لي حتى أشفي غليلي منه , و سو جين أفضل مني بكثير في انتقاء الكلامات المناسبة دائما . فرقعت أصابعها فجأة كم لو أن ذلك المصباح قد أشع فوق رأسها و استرسلت بكلام غبي لتزيل تلك البهجة من قلبي _ " الطريقة الأفضل للقضاء على هذا الشعور السيئ الذي يراودكـ هي أن تخبري والدكـ فهو شرطي و هذه جريمة .. " انتفضت من جلستها و صاحت في انتصار _ " نعم إنها جريمة تحرش بالقاصرات و انتحال شخصية مزيفة أيضا , سيسجن على الفور . " نظرت إليها بتعبير كاف ليجعلها تجلس مكانها حيث كانت و تنتبه لما تتفوه به من كلام فارغ , ثم استطردت _ " مرحبا !هل أبدو لكي كفتاة معتوهة و مستغنية عن رأسها ؟ " نهضت من مكاني و جلت في أرجاء الغرفة قبل أن أواصل _ " تعلمين ؟ أقل ما يمكن أن يفعله والدي بابنته المدللة التي يثق بها أنه سوف يتبرأ مني على الفور , أما والدتي الحبيبة التي خاب ظنها بابنتها الوحيدة التي علقت عليها آمال حتى تنجح بينما درجاتي في تراجع مستمر فسوف و بكل بساطة تقتلع رأسي و تجعلني عبرة لطلابها الأشقياء . " هي حقا لا تعلم ماذا تعنيه لي ثقة والداي , و إلى أي مدى هي مؤلمة خيبة الأمل ؟
راحت سو جين تجول في أنحاء الغرفة جيأة و ذهابا إلى أن خارت قواها بالكامل واستسلمت لليأس , فجلست أمام جهاز الكمبيوتر خاصتي , فتحته على الصفحة الشخصية في حسابي على الفايسبوك ثم راحت تعبث قليلا و ترى آخر الأخبار , لذا رفعت أكواب العصير الفارغة من فوق الطاولة و أخذتها للمطبخ , حينها و على غفلة تذكرت موعدنا في بيت صديقتي شين هاي , لم أكد أضع الأكواب في سلة غسيل الأواني حتى عدت مسرعة إلى غرفتي و كدت أرتطم بحافة الباب لشدة سرعتي لذا تفاديا لذلك إنزلقت و سقطت . و حتى هذا لم يكن كافيا لجعل سو جين تنتبه لوجودي , كانت تتسمر بشكل يشد الإنتباه و تهمس كلاما لم أسمعه .. وقفت و أنا أحدق إليها في استغراب و اقتربت منها على مهل , و ضعت يدا على مكتبي الخشبي و آخر على حافة الكرسي الذي كانت تجلس عليه سو جين و نظرت إلى ما كانت تنظر إليه بكل هذا الإهتمام , فإذا بي أتفاجأ بحساب يحمل صورة ذلك الشاب حفيد السيد بونغ سوك لكن هذه المرة تحت إسم آخر .
كان من الواضح بالنسبة لي أنها لعبة جديدة لذلك العجوز الخرف , و التي يحاول من خلالها الإيقاع بالفتيات و العبث معهن . اعتدلت في وقفتي و عدت للخلف حتى ارتميت على حافة سريري , دفعت سو جين نفسها بعيدا عن المكتب و تركت الكرسي المزود بالعجلات يصطحبها في رحلة قصيرة لتستقر بجانبي , كانت تنظر إلي بينما تبتسم بشكل غريب , كما لو أن مصباحها قد أضاء من جديد . ثم استرسلت _ " ما رأيك أن نعلمه كيف يكون الخداع على أصوله ؟ و نجعله يتجرع نفس العقار الذي سممك به ؟ " اعتلت وجهي علامة استفهام كبيرة راحت تشق أرجاء الغرفة _ " عزيزتي سو جين .. بدأت تقولين كلاما غريبا , و أنا لا أفهم عليك بوضوح ." دفعت الكرسي من جديد حتى وصلت حيث جهاز الكمبيوتر , سجلت الخروج من حسابي و اردفت _ " نحن بحاجة لحساب جديد .. " عم الهدوء لبضع ثواني ثم صاحت من جديد _ " فلنستعمل حسابي مؤقتا , ها نحن ذا .. حسنا .. تم الأمر . " كانت تتحدث في تقطع بينما هي تفعل شيئا ما بجهاز الحاسب , ثم أشارت لي كي أقترب منها .
_ " لقد أرسلت إشارة ترحيب و الآن سأرسل رسالة قصيرة لبداية محادثة بينكما , إقترحي علي شيئا مثيرا للإهتمام .. " حينها و إخيرا فهمت ما تحاول صديقتي المخادعة سو جين فعله . لحت بعيني نحو اليمين و نحو الأعلى ثم قلت مترددة ما رأيك ؟ بــ " سيد كيم جونغ لي .. أنا أحتاجكـ في شيئ .. فهل تستطيع مساعدتي ؟ .." لم أنهي جملتي حتى ظربتني سوجين على رأسي بمسطرة طويلة كانت تعبث بها بينما تفكر ثم صاحت بي موبخة _ " هل أنت حمقاء ؟ هذه طريقة مبتذلة و قديمة بعض الشيئ لتشد انتباهه . " كنت أضع يدي على مكان الظربة حتى أخفف الألم الذي لم يكن شديدا , حينها صاحت سو جين من جديد , كنت أفكر بأنه علينا أن نتحدث معه بعدم رسمية حتى يظن أننا نعرفه حقا .. على هذا النحو : " لا أريد أن أطيل الحديث كثيرا جونغ لي , لكنني أعرف تمام ما فعلته , و لا أتوقع أنكـ ستنكر ذلكـ , لذا دعنا نتحدث و نتناقش حول الموضوع و إلا أخبرت الجميع على الفور . " ما رأيكـ أليس غامضا و مربكا ؟ " _ " صراحة أعترف ببراعتكـ العالية في الخداع , فبهذه الطريقة إن كان قد قام بأي تصرف خاطئ في حياته سيظن أننا نتحدث عن ذلكـ الشيئ و سيخاف و يضل يفكر في الموضوع طويلا ... هيا قومي بإرسالها على الفور . "
كانت ابتسامة النصر الخبيثة تعلو وجوهنا حين كتبنا تلك الرسالة بعناية وعندما كانت على وشكـ إرسالها أوقفتها قائلة _ " ألابأس بإرسالها من حسابك الخاص ؟ قد يتسبب لكـ ذلكـ بمشاكل مستقبلا .." لم تكترث لما قلته لذا أرسلتها على الفور ثم قالت مبررة _ " لا بأس بذلكـ , فذلك الرجل لا يعرفني و أنا أعيش بعيدا عن هنا بأية حال , ثم ما بالكـ ؟ إن جاركم العجوز يعبث فحسب و لن يسبب أي أذى . " أغلقت الحاسب و حملت حقيبتها ثم صاحت _" رغم ان حفلة عيد الميلاد قد فاتتنا , إلا أنني سئمت البقاء في البيت , دعينا نذهب للخارج و نفعل شيئا ما . "
كان مقدرا لوالدتي العودة اليوم على الأرجح قرابة الساعة السادسة أو السابعة مساءا , لذا كان يجب أن أذهب و أعود قبل وصولها , و كي أعد شيئا نأكله . تجهزت للرحيل و خرجنا على الفور . قررنا أن نستمتع بوقتنا قبل انتهاء العطلة الربيعة الذي يصادف بعد غد , لذا اقترحنا الذهاب لمدينة الألعاب التي لا تقع بعيدة عن موقعنا الحالي . صادفنا عند مدخل الحديقة بائع غزل البنات و لأن سو جين تحبه بشدة فقد اشتريت لنا اثنتين و دخلنا في عالم الألعاب الرائع .
كنت أقف خلف سو جين التي كانت تشتري تذاكر لعبة القطار السريع , و إذا بيد تحط على كتفي , إستدرت في هلع لأجده صديقي كيم جي آه و هو شاب طويلا عريض المنكبين ذا عينين صغيرتين و خدود بارزة تتناسب مع طول وجهه, كان يرتدي قبعة سوداء فوق شعره الكحلي المصفف و ثيابا رياضية تبرز جسمه الجميل , إنه دون أن أبالغ في الوصف الشاب الأكثر وسامة في نظر الجميع . و رغم أن صديقتي سو جين كانت من أكثر المعجبات به منذ الإعدادية , لكن طلبه مواعدتي لم يفككـ صداقتنا , لأن سو جين فتاة متفهمة و تقبلت قرار إرتباطي معه .
على أية حال , الفرحة لم تسعني عندما رأيته لذا عانقته على الفور و سألته عن هذه الصدفة التي جمعتنا اليوم هنا , فأخبرني أنه عيد ميلاد شقيقته الصغرى لذا اصطحبها لمدينة الألعاب حتى تقضي وقت ممتع , كانت شقيقته جي وون البالغة من العمر ستة سنوات تركب الأحصنة الدوارة , كانت ترتدي فستانا أحمر و ربطة شعر مماثلة تضعها بشكل جانبي كما هو الحال بالنسبة لشعرها , و بمجرد نظري إليها كان يمكنني رؤية صورة جي آه الصغير أمامي . لذا و بما أن جي وون كانت مستغرقة في اللعب إشترى لنفسه تذكرة و ركب معنا القطار السريع فاستمتعنا ثلاثتنا باللعب , ثم عرض علينا ركوب العجلة الدوارة معه , صعدنا أربعتنا و بقينا نتأمل مدينة سيول الجميلة مع غروب شمس المساء . إنتهينا من الحديث عن عديد من الأمور و ترافقنا إلى موقف الحافلات , كانت تمشي سو جين خلفنا بينما تمسكـ بيد شقيقة جي آه بينما تتحدثان بالهمس و استطعنا أن نسمع صوت ضحكاتهم الجميلة , الأمر الذي يبعث على الراحة .
ودعت جي آه و سو جين و رحلت بمفردي للبيت كي احضر العشاء قبل وصول والدتي , كانت الثامنة إلا عشر دقائق عندما عادت من زيارة جدتي الساكنة بكلفورنيا - أمريكا . دق الجرس مرتين متتاليتين فعرفت أنها أمي من وصلت , ركضت كي أفتح الباب فاندفعت بقوة و عانقتني , كانت تتصنع تلك الإبتسامة بينما لايزال يبدو في قاع عينيها تعبير من الحزن , مما يعني أن حال جدتي ليس أحسن ما يرام . أخذت الحقيبة من يد والدي الذي كان يبدو متعبا و وضعتها في غرفة النوم و ذهبت لتحضير الطاولة بينما راحت أمي تأخذ حماما دافئا لترتاح من مشقة السفر .
وضعت طاولة الطعام في وسط البيت و جلست على الأرضية الخشبية أرتب الطاولة , سكبت صحنا من حساء الدجاج الذي تحبه أمي و وضعته مع بقية الطعام بينما بقيت أنتظر والداي حتى يحضرا . تناولنا العشاء في جو من الصمت المختنق , ثم إستأذنتهما كي أذهب لغرفتي فلم يكن من الضروري أن أسئل كثيرا عن حال جدتي بينما كل شيئ يبدو جليا , فضلا على أن أي سؤال عن الموضوع قد يجعل والدتي تحزن من جديد .
إستلقيت على سريري و رحت أتأمل صور نزهتنا إلى مدينة الألعاب في هاتفي , حتى وصلتني على بريدي الإلكتروني رسالة من سو جين تخبرني أن اقرأ رد حفيد السيد بارك بونغ سوك المزعوم على الرسالة التي كتبناها صباحا , و أنا التي كنت قد نسيت الموضوع بالكامل , فتحت حساب سو جين لأجد أن رسالة قد وردتني من كيم جونغ لي و قد ورد فيها كالآتي _ " تقولين أنكـ تعرفين ماذا فعلت ؟؟ و إلا أي مدى تعرفين عن ذلكـ الموضوع ؟ " شعرت بقشعريرة مرت بجسدي , تصلبت شراييني و انزلق العرق من جبيني , كما و شعرت أن شخصا مختلفا عن جارنا العجوز هو من يحدثني , كنت أنظر لشاشة هاتفي دون أن أحركـ ساكنا حتى وصل الرد من سو جين لأنها صاحبة الحساب في الأصل _ " لماذا أنت مستعجل بهذا الشكل ؟ ألقي التحية أولا على الأقل .. " في ثواني كانا يتبادلان الحديث بينما بقيت أشاهد فحسب _ " حسنا سو جين , أعذريني على تطفلي بهذا الشكل . مساؤكـ سعيد يا صغيرة . " و أرسل مجموعة من ملسقات الإيموجي تلكـ التي ترتدي نظارات سوداء .. و بقي ينتظر الرد , _ " مساؤكـ سعيد يا سيدي .. و إجابة على سؤالكـ فأنا أعرف الكثير بالواقع .. " - تمت القراءة - ثم انتهت المحادثة بشكل غامض .
هذا العجوز لابد أنه يشعر بالذعر الآن فقد أغلق حسابه كما ترين , أرأيت كم هو سهل التلاعب به بينما هو لايمكنه فعل شيئ إطلاقا . " وردتني رسالة ثانية على بريدي الإلكتروني ذلكـ أنني قطعت اتصالي مع سوجين على الفايسبوكـ حتى لايكتشف أنني أعرفها . فأجبتها بنعم كان معكـ حقا و تمنيت لها ليلة هادئة و خلدت إلى النوم .
يومان على إنكشاف الكذبة ..
إستيقظت مبكرا حتى أذهب لزيارة سو جين كي أصطحبها لموعدها مع طبيب القلب , تناولت الإفطار و ودعت أمي ثم انتظرت والدي حتى يصطحبني في طريقه لمركز الشرطة . أمام البيت كانت هناك شجرة تفاح كبيرة قد بدأت تزهر و بجانبها بيت كلب عجوز كان يستغرق في النوم , عاشت سو جين في هذا البيت الضخم بعد وفاة والدها و هي في السادسة من عمرها لذا فهي تعيش و والدتها تحت كفالة خالها الغني . نزلت من السيارة و راقبت والدي يغادر بينما ضغطت على زر الجرس و بقيت أنتظر , و ماهي إلا لحظات حتى فتحت والدة سو جين الباب , كانت امرأة في الثلاثين من عمرها صاحبة قامة طويلة وبنية هزيلة حتى تكاد عضام وجنتيها تخرجان من وجهها , كان شعرها الكحلي يغطي معضم وجهها بحيث تغطي أثر ندبة على وجهها الأبيض الجميل و رغم هذا فهي فاتنة بطريقة ما . تقدمت و ألقيت التحية و من ثمة بقيت أنتظر في صالة المعيشة , كانت غرفة كبيرة مفروشة بالكامل برخام أبيض أكاد أرى إنعكاسي عليه , و حولي أثاث يبدو مترفا و باهض الثمن و لوحات على الجدران تساوي مئات الدولارات , و بين كل هذا الجمال ظهرت امرأة في سن الأربعين على كرسي متحركـ كانت تسدل شعرها القصير على كتفيها و ترتدي فستانا أزرق تتخلله أشرطة بيضاء , تقدمت نحوي و هي تجر كرسيها و الإبتسامة لا تفارق شفتيها , عندما أصبحت على بعد خطوة مني توقفت فنهضت و انحينيت لها في احترام , ردت على تحيتي قائلة _ " أنت يون هي , صحيح ؟ " جلست في مكاني مجددا ثم أجبت _ " نعم أنا هي سيدتي , و لكن كيف تعرفينني ؟ " ابتسمت مجددا بينما هي تتحدث قائلة _ " عزيزتي سو جين لا تنفكـ تتحدث عنكـ , لذا تعرفت عليكـ ببساطة . و أنت كما وصفتكـ لي تماما جميلة و لطيفة . " جعلني كلامها أشعر بثقة لا توصف بنفسي و سعدت أن عائلة سو جين تعرفني و خاصة هذه المرأة الجميلة أول سون .
عرفتني سو جين على أبني عمها التوأمان الشقيان اللذان كانا يستمران بالحركة و الحديث طوال الوقت لكنهم رغم هذا كانو يبدون لطفاء جدا و قد أصرو على مرافقتنا في طريقنا إلى المستشفى , أوصلنا السائق الخاص بالعائلة و رغم أن الطريق كانت مزدحمة بعض إلا أننا وصلنا في النهاية على الموعد المحدد . انتظرت في غرفة الإستقبال بينما دخلت سو جين لمقابلة الطبيبة , في تلكـ الأثناء و بينما يطول الإنتظار فتحت حساب سو جين و رحت أتفقد آخر المستجدات , و بعد مدة من فتحي للحسابي أرسل إلي السيد كيم جونغ لي تحية صباحية ورد فيها _ " صباح الخير .. آسف عزيزتي سو جين على مغادرتي البارحة للمحادثة دون سابق إنذار , لكن كان لدي عمل هام قد انشغلت به , لذا تقبلي اعتذاري عزيزتي التي تعرف الكثير . " لم تكن سو جين هذه المرة لجانبي لذا كنت مضطرة لمجاراته بمفردي , رددت سريعا على رسالته حتى لا يشعر بأن شخصا مختلفا يحدثه و قد كتتبت له كجواب _ " صباح الخير , أنا حقا شعرت بالإنزعاج جدا لما حدث البارحة , حتى أنني شعرت أنكـ لا تولي قضيتنا أهمية .. " _ " قضيتنا ؟ هل كنت جزءا من تلكـ القضية ؟ و هل لي أن أعرف التفاصيل حول كيفية معرفتكـ لتلكـ الأشياء ؟ " إستغرقت بعض الوقت حتى أجيب عليه بالشكل الذي يحافظ على الكفة لصالحي , كما أنني بدأت أشعر أن هذا الشخص ـالذي لا يشبه كلامه السيد باركـ بونغ سوكـ في شيئ ـ قد ارتكب فعلا شنيعا حقاا .
هدأت من نوبة القلق التي انتابتني و من الأفكار السيئة التي بدأت تتصادم داخل عقلي , ثم أجبت _ " في الواقع أنت تعلم تماما أنني لن أناقش موضوعا حساساا كهذا على مواقع التواصل الإجتماعي لذا انسى الأمر و دعنا لا نتحدث عنه مجددا , فأنا لا مصلحة لي بمعرفة أحد للقصة ." كانت أول مرة يتأخر بالرد فيها لذا توترت قليلا ثم أجاب قائلا _ " يبدو أنكـ حريصة جدا على إبقاء القصة في سرية تامة , لكنكـ بعد أن أخبرتني بمعرفتكـ لما فعلناه فلا يمكنكـ أن تنسحبي بهذه البساطة . " ثم أرسل قائلا _ " أحتاج لرؤيتكـ آنسة سو جين , غدا سأصل لسيول و عنوانكـ كما أرى موجود على حسابكـ في قسم المعلومات الشخصية , لذا دعينا نلتقي رجاءاا ."
فكرة أنه سيأتي من أمريكا إلى هنا لرؤيتي , يعني حقا أنه جاد في هذه القضية , و لكن ما هذا الشيئ الذي فعله و يخشى عليه بهذا الشكل . أم أن هذه مجرد لعبة قد انقلبت ضدي و صدقت الكذبة التي يحاول أن يفعلها . أرسلت ملصقات ضحكـ كي لا أبدو خائفة من كلامه ثم أرسلت له _ " لا داعي لقطعك ـ كل تلكـ المسافة من أجل موضوع كهذا , أرجو أن تنسى الموضوع يا سيدي .. " _ " لا بأس عليكـ لا تقلقي بشأني كنت قادما لكوريا على أية حال , فقد مر على مغادرة لها قرابة الشهر كما تعلمين . " _ " و سنتحدث طويلا حول قصتنا الصغيرة . " كنت على وشكـ الإغلاق لأنني رأيت سو جين قد خرجت من غرفة الطبيبة , حتى وصلتني صورة , عندما فتحتها كانت صورة امرأة مقتولة و قد شوه وجهها بشكل كبير و الدماء تملأ جسمها بالكامل , و من خلال عيونها التي لم تبدو واضحة بشكل كبير فقد اتضح أنها مرأة كورية و قد شعرت أن وجهها مؤلوف بالنسبة لي .
عند وصول سو جين أغلقت هاتفي بسرعة و لم أشأ جعلها تعلم بالأمر , رغم أنني شعرت بخوف كبير و حاجة ماسة كي أخبر أحدهم عن ما أمر به , لكن لم يكن الأمر ممكنا مع حالة سو جين الصحية . عدنا للبيت بعد أن أنهكنا التعب الشديد , كانت أمي مشغولة بترتيب بعض الأوراق في مكتبها , أما والدي فقد كان في مركز الشرطة كالعادة . اتجهنا لغرفتي و جلسنا هناكـ , كانت سو جين تروني صور رحلة خالها و زوجته الجميلة في سويسرا , حتى نادت علي والدتي من مكتبها الذي كان عبارة عن غرفة صغيرة , كانت أرضيتها خشبية كباقي الغرف و قد كان الحائط عبارة عن مكتبة ضخمة تحوي كل أنواع الكتب الخاصة بوالداي و في منتصفها كان هناكـ مكتبان متقابلان يبعد الواحد فيها عن الآخر مقدار ثلاث أقدام , و كانت أمي ترتدي فستانا أسود عليه بعض الزهور حول العنق و الأكتاف و تجلس خلف مكتبها الذي انتشر عليه كم هائل من الأوراق و بعض الدفاتر و السجلات . تقدمت إلى وسط الغرفة و سألتها عن سبب طلبها لي , رفعت رأسها عن المكتب و سألتني عن مكان خرازة الورق , نظرت في أرجاء الغرفة ثم قلت _ " أظنها في أحد هذه الأدراج في مكتب أبي . " فتحت الدرج الأول فالثاني حيث وجدتها هناكـ و عندما رفعتها , كان يوجد صور قد لفتت انتباهي و كانت مفاجأة كبيرة !!
رفعت الصور و رحت أنظر إليها واحد تلو و الأخرى , و كانت واحدة منهم قد رأيتها في وقت ليس ببعيد , حينما كنت لا أزال أرى الصور عندما نادت علي أمي حتى أحضر لها خرازة الأوراق , إتجهت نحوها دون أن أبصر طريقي و أنا أنظر للصور , وضعت الخرازة فوق المكتب و سألتها عن تلكـ الصورة التي أرسلها لي جونغ لي صباحا , فأجابتني _ " آآ هذه المرأة المسكينة ! قد وجدت ميتة في بيتها قرابة الشهر , و كما جرت التحقيقات فقد قتلت بأداة حادة على الرأس , إلا أن االقضية أغلقت بسبب عدم وجود أدلة كافية للوصول للقاتل الحقيقي , و كان والدكـ هو المسؤول عن هذه القضية . " تأملت الصورة مجددا ثم سألتها _ " و لكن لمذا أشعر أنني أعرف هذه المرأة ؟ ها غريب حقاا ! " _ " هذا لأنها جارة قديمة لنا , و غادرت منذ ما يقارب الثلاث سنوات , لكن الأمر الغريب أنها قتلت في بيتها الذي يبعد بيتين عنا , حيث كانت تسكن قبل رحيلها . " أخذت تلكـ الصورة معي و غادرت الغرفة على الفور لأخبر سو جين , ذلكـ انني شعرت بالهلع فعلا الآن .
عندما دخلت كانت تمسكـ بهاتفها و تنظر إلي في دهشة , فعرفت أنها قرأت محادثتنا . أغلقت الباب بهدوء فيما أخفي تلكـ الصورة خلف ظهري , ثم تقدمت ببطئ نحو سو جين فاستطردت قائلة _ " هاذا العجوز يبدو جيدا جدا في الخداع , يدهشني هذا حقا !! " شعرت في كلامها نبرة خوف حقيقية , فهذا الشخص يعلم أين يقع بيتها حتى . لكنني طبعا لا أريدها أن تقلق أكثر فتتأزم حالها و يحدث لقلبها مكروه , لذا وضعت تلكـ الصورة وسط دفتر مذكراتي الذي كنت أضعه فوق مكتبي , و جلست بجانبها على السرير , أمسكت بكلتا يديها و ابتسمت قائلة _ " تخيلي أنني كدت أصدق , لكن دعنا لا نجعل هذه اللعبة الصغيرة تنقلب ضدنا , فهو لو كان ذلكـ الشخص حقا ما كان أتى من أمريكا لأجل قصة قد لا تكون حقيقية . " تأملتني سو جين بارتعاب ثم قالت _ " و ما قصة تلكـ الصورة إذن ؟ " _ " إنه يحاول جعلنا نرتعب ليس إلا . إنسي أمره رجاءا . " سحبت يديها بهدوء من بين يدي ثم حملت حقيبتها و استأذنتني لأنها تشعر بالتعب , رافقتها إلى منزلها وقد إستقلينا الحافلة و طيلة الطريقي لم تنبس ببنت شفة .
نزلت من الحافلة , فالتقيت بجارتنا آي را التي تملكـ محلا لبيع الزهور , حينها فجأة عدت للإبتسام من جديد فهذه الفتاة آلهة السعادة بالنسبة لي ,رافقتني طيلة الطريق للبيت حتى وصلت محلها الذي لا يقع بعيدا عن منزلنا , و أثناء ذلكـ سألتني عن أحوال والدتي و عن علاقتي بجي آه فهي كانت السبب في كوننا مع بعض و قد كنت سعيدة بذلكـ كثيرا , عندما توقفت عند محلها أهدتني زهرة لعباد شمس و تمنت لي يوما جميلا , أخذت الزهرة و أكملت المشي حتى وصلت أمام بيت الضحية باركـ سون را , بقيت أنظر للبيت عن قرب و أتخيل ما حدث هنا قبل شهرين , مرت بجسدي رعشة و شعرت أن الدم قد تجمع في رأسي , و فجأة شعرت بيد تتسلل عبر جسدي لتستقر على كتفي , إستدرت في هلع بينما تراجعت للخلف قليلا و رفعت رأسي لأجد والدي يقف هناكـ و قد استغرب لتصرفي هذا . حينها علت ضحكاتي في الأرجاء و أدركت أنني فقدت صوابي , عانقني أبي و راح يضكـ أيضا بينما قال _ " هل اشتقتي لوالدكـ العزيز حتى أنكـ تضحكين بهذا الشكل الغريب ؟ " _ " بالطبع اشتقت لكـ أبي العزيز , و بالمناسبة أنت تبدو وسيما اليوم , حتى أنكـ تبدو صغيرا في السن .. " _ " هل ستطلبين شيئا ما ؟ لما تتوددين لي هكذا ؟ " _ " ههه أنت تجعلني أغضب منكـ أبي , طبعا ليس هناكـ شيئا إطلاقا . " عندما أصبحنا أمام الباب خرجت أمي لتستقبلنا و راحت تسأل عن سبب هذا الضحكـ العالي , فأجبتها _ " إنها أمور بين البيت و والدها , صحيح أبي ؟ " _ " طبعا طبعا . "
في مساء ذلكـ اليوم إتصل بي جي آه و أخبرني أن نلتقي غدا في مكاننا المعتاد لأنه ثمة أمر مهم ليخبرني به , لذا كنت متحمسة بشدة لوصول اليوم التالي , و خالجني شعور بالفرحة العارمة و الراحة , لذا كان علي أن أستمتع بوقتي قبل أن يتعكر مزاجي . إرتديت فستاني الوردي الفاتح المزين بالدنتيل و وضعت ربطة زهرية حول رأسي بينما سدلت شعري على كتفاي كي يبدو مظهره جميلا , خرجت من البيت و اتجهت لمحطة الحافلة كي أذهب لزيارة بيت عمي الذي يقع في مكان ليس بعيدا جدا و قد أوصتني أمي أن آخذ معي حلوى الأرز التي حضرتها من أجلهم و لفتها بإحكام في رقعة من القماش .
عند وصولي استقبلتني عند الباب ابنت عمي الصغيرة شين هاي , عانقتني و أمسكت أصابعها الصغيرة بيدي و راحت تركض مندفعة إلى البيت بينما تجرني خلفها و تكاد تفلت من يدي و هي تنادي على والدتها حتى تأتي . _ " ماذا هناكـ يا شين هاي , لما تصرخين بهذا الشكل ؟ " سمعتها تخاطب شين هاي قبل أن أصل إلى باب المطبخ , لأرها تجلس على الأرض و قد كانت تعد الكميتشي , كانت ترتدي سروالا فضفاضا و قميصا مناسبا له , بينما تضع عصابة حول رأسها و تسدل شعرها المموج الذي يصل عند رقبتها بشكل مهذب , و رغم أنها أوشكت على الخمسين إلا أن صحتها الجيدة التي تنعكس على جمالها و قامتها القصيرة تجعلها تبدو صغيرة في السن , عندما لمحتني من خلف الباب خلعت قفازيها المغرقين بالصلصة الحمراء و نظرت إلي باسمة _ " عزيزتي يون هي كيف حالكـ ؟ فقد جعلتنا نشتاق إليكـ هذه المرة . " _ " آه أنا آسفة فقد انشغلت بعض الشيئ , خاصة و أن أمي كانت متغيبة عن المنزل لفترة مضت . " أشارت لي بالجلوس بينما قالت و هي تغلق علب حفظ الطعام البلاستيكية بإحكام و تصفهم بجانب بعضهم _ " لقد علمت بمرض جدتكـ عساها أصبحت أفضل الآن ؟؟ " _ " أجل إنها كذلكـ . " قلت ذلكـ و إن كان جزء من الحقيقة مخفي . قبل أن أجلس سعدتها في حفظ علب الطعام في الثلاجة ثم جلست بجانب شين هاي التي كانت ترسم بالألوان منظرا جميلا .
توفي عمي قبل ثلاث سنوات بسبب مرض في قلبه , فاضطرت زوجته أن تتدبر أمرها لتكسب قوتها لذا فافتتحت مطعما صغيرا تقدم فيه الأكلـ الشهي الذي تعده و قد كان حقق نجاحا كبيرة في المنطقة بسبب ذوقها الرفيع في إعداد الأطعمة الشهية . هي أم لبنتان الكبيرة قد تزوجت منذ كان والدها على قيد الحياة و هي تعيش في أمريكا و الصغيرة شين هاي تبلغ ستة سنوات , و لأن والدها توفي و هي صغيرة فهي لا تتذكره بشكل كبير . تناولت الشاي و الحلوى اللذيذة التي تعدها و تحدثنا قليلا حول أشياء تخص العائلة و من ثم عدت أدراجي إلى البيت .
أصابني أرق مفاجئ و لم أقوى على النوم , لذا خرجت لغرفة المعيشة لمشاهدة التلفاز , فصادف أن رأيت ضوءا صاطعا من المكتبة لذا قررت بشجاعة أن أرى من هناكـ , فأمي قد أنهكها التعب لذا نامت مبكرا اليوم بينما أبي على الأرجح يجلس في المقهى و يلعب الشطرنج مع أصدقائه في الحي . و لهذا فإنا وحدي الآن مع الشخص الغريب .
تسللت ببطئ على أطراف أصابعي و ألقيت نظرة خاطفة داخل الغرفة فلمحت أبي على شاشة الحاسوب يشاهد مقالا صحفيا , بدى منغمسا في مشاهدته إذ أنه لم يلحظ وجودي في الغرفة , كانت المكتبة مضلمة بالكامل لا يضيؤها سوى مصباح خافت ,إستراحت ملامحي و هدأ قلبي من خفقانه الشديد , وقفت أتنفس بعمق و إنتظرته حتى ينهي عمله ثم أردفت قائلة _ " أبي هل أنت متفرغ كي نتحدث ؟ " بدى أنني أفزعته بصوتي وسط الصمت الذي كان يسكن الغرفة , ثم في ثانية من الزمن اعتدلت ملامحه من جديد فأجابني و هو يربت على الكرسي بجانبه إشارة لي حتى أجلس , جلست هناكـ بكاملي أدبي ثم سمعته يقول بعد أن أغلق جهاز الكمبيوتر و زاد من شدة الضوء في المصباح _ " ها أنا متفرغ الآن , ماالذي يشغل بالكـ في منتصف الليل يا صغيرتي ؟ " كشفت له عن الصورة في يدي , صورة تلكـ الضحية أول سون و سألته _ " أظن أنكـ تتذكر هذه الصورة , صحيح . " تفحصها والدي قليلا قبل أن ينظر إلي في ملامح لم أعهدها من قبل , كانت نظرة مليئة بالخوف و الغرابة مما سأقوله , لذا واصلت دون أن أتركـ له فرصة لإيقافي _ " لقد وجدتها اليوم بينما كنت أبحث عن خرازة الورق في درجكـ , فسألت أمي عنها لذا أخبرتني أنها جارة قديمة لنا , فانتابني الفضول عن سبب موتها في بيتها القديم الذي هجرته منذ زمن . "
وضع أبي الصورة بجانبه حيث كان يسند بمرفقه على طرف المكتب ثم شبكـ يديه و قال _ " تلكـ القضية كانت من أغرب القضايا التي عملت عليها , فقد كانت تشا أون سانق فتاة مرحة و مهذبة ثم إنها ماتت بهذه الطريقة الشنيعة . " ساد الصمت قليلا قبل أن يواصل _ " لقد تركت بيتها هنا منذ قرابة الثلاث سنوات لتعيش في سيول رفقة خطيبها الذي كان يعمل هناك , رغم أن والديها اللذان ماتا في حادث حريق لم يكونا ميسورين لذا لم يتركا لها شيئا بعد موتهما إلا أنها جاءت و اشترت ذلكـ البيت , الأمر الذي أثار ريبتي قليلا , لذا في مرة من المرات ذهبت لرؤيتها حيث كانت تعمل في بيع الزهور بالمتجر الذي تعمل به صديقتكـ آي را , تحدثنا قليلا حول قضية والديها التي كنت أعمل عليها , . و فجأة عادت بي الذكريات إلى حادثة الحريق المؤلمة التي حدثت , ثم إنني سألتها عن كبفية حصولها على المال من أجل شراء البيت , فأخبرتني أن ذلكـ الشاب الطويل و الوسيم الذي كان يتردد عليها كثيرا إلى البيت أو المحل هو صاحب البيت و قد جعلها تسكن فيه لأنه أشفق عليها لكنني إكتشفت فيما بعد أنهما كانا حبيبين و قد أخفت عني ذلك الأمر . لكن ذلك الرجل اختفى فجأة و لم أعد أراها في الحي كما المعتاد لذا حدث أمر مفاجئ و تزوجت أون سانق من شاب يعمل في التجارة , كان رجلا ثريا لذا لم تترد و تركت المكان فجأة لتعيش رفقة خطيبها الذي أصبح زوجها بعد بضعة شهور تلت سفرها . و هذه كل القصة .. فقد وجدت مقتولة في بيتها بطعنة سكين في الرأس بعد أن كانت مختفية عن البيت لمدة عامين , أما زوجها الذي كان يحبها بشدة و طفلها الصغير صاحب خمس سنوات فهما يواصلان حياتهما بهدوء في سيول . "
كنت منغمسة لأبعد حد في تفاصيل هذه القصة المرعبة , و بدأت أتخيل لو كان ذلكـ الشاب الطويل هو جونغ لي حفيد السيد باركـ بونغ سوكـ , لكنني منعت نفسي من عرض الصور التي أحتفظ بها على هاتفي لأبي , خشية أن تكون هذه القصة حقيقية , فدافع الغيرة و الحقد و الخيانة كان سببا كما يبدو لإقدامه على هذا الفعل الشنيع . ثم أضاف والدي صاخرا _ " أتمنى أن تكون قصة ما قبل النوم لليوم قد ساعدتكـ على حل مشكلة الأرق ,ههه " وقفت من الكرسي و التقطت الصورة من فوق المكتب بينما تمتمت و أنا أهم بالمغادرة _ " أجل أظنني الآن سأحظى بنوم هادئ جداا . "
إستلقيت فوق فراشي و بقيت أفكر في قصة الحريق التي أخبرني عنها والدي فتذكرت ما أخبرتني به سو جين منذ مدة طويلة , تلكـ القصة أظنها نفسها التي تحدث عنها والدي , فقد أخبرتني أن الحريق حدث في أحد البيوت الضخمة بمدينة سيول , كان هناكـ عائلة مكونة من زوجين سعيدين و ابنتهما الصغيرة و حدث في أحد المرات أن اقتحم بيتهم لص , و لكن الزوجة سمعت صوتا غريبا لذا ذهبت لتستطلع الأمر و قد رأت وجهه لذا فقد جعلها تفقد الوعي ثم أشعل النار بكامل البيت فمات الزوجين ولأن الصغيرة أون سانق كانت عند جدتها في تلكـ الليلة فقد كتب لها عمر جديد . و قد كانت أول سان زوجة عم سو جين تلكـ المرأة الجميلة المقعدة على الكرسي , شاهدة على مجريات الحادث بشكل أو بآخر ذلكـ أن الشرطة اشتبهت في هويتها لأن وجودها في تلكـ المنطقة في ذلكـ الوقت من الليل كان غريبا , لكن لم تتم محاكمتها لأنها بسبب تلكـ الحادثة فقدت قدرتها على المشي ,و قد تركـ الحريق ندوبا على وجهها لازالت حتى اليوم تذكرها بأوجاعها تلكـ الليلة . بقيت أفكر طيلة الليل و أتخيل ماذا يمكن أن يحدث لو كانت القصة فعلا مرتبطة بهذا القاتل الذي لا يملكـ رحمة في قلبه .
.. يوم على العودة للمدرسة .. عد تنازلي للحياة ..
ساعدت أمي صباحا في تنظيف البيت ثم رحت لغرفتي حتى أرتاح فوجدت مكالمة فائتة من جي آه ثم وصلتني رسالة نصية أخبرني فيها أن ألتقي به اليوم مساءا في المقهى المجاور لبيتنا , و هو مقهى لطيف يقدم قهوة شهية للغاية و قد اعتدنا الإلتقاء هناكـ مع الأصدقاء . فتحت خزانتي فلم أجد سوى بعض الفساتين التي أرتديتها من قبل و التي لم تكن راقية بما يكفي لموعدي , لذا قررت أننا سنذهب للتسوق اليوم .
ظللت ألح على أمي حتى وافقت مرافقتي رغم أنها كانت تشعر ببعض الإرهاق , طلبت سيارة أجرة و خرجنا ننتظرها أمام باب البناية , في ذلكـ الشارع الذي تعودت أن اخرج للعب فيه عندما كنت صغيرة , الجيران طيبون و هم على صلة جيدة مع أمي و أبي منذ قدومهم للسكن هنا , مقابل بيتنا كان يسكن السيد باركـ بونغ سوكـ وحيدا مع كلبه العجوز , و بجانبه بيت القتيلة تشا أون سانغ صاحبة الثلاثين سنة و قد حصلت على بعض المعلومات التي تخصها من ملفات أبي التي وجدتها في ذلكـ الدرج , و بينما نحن ننتظر سيارة الأجرة خرج السيد باركـ يونغ سو لإطعام كلبه المدلل , وضع صحن الطعام االخشبي الذي نقش عليه اسم ذلكـ الكلب المدلل دايفد و استقام في وقفته , فانقض الكلب على طعامه , و التفت إلينا و ألقى التحية على أمي ثم نظر إلي و ابتسم كأن شيئا لم يكن , تراجعت بضع خطوات للوراء حتى اختبأت خلف أمي , و لم أرفع عيني عن الأرض فتحولت لتلكـ الصبية الصغيرة التي كنت عليها , أخشى الناس و مستعدة للبكاء في أي لحظة لأن شخصا عجوزا قد ابتسم لي . أما هو فقد انشغل بعمله , شغل مرش الماء و راح يسقي نباتاته الخضراء الجميلة التي تحيط بمنزله . أما من جهة أمي فقد رمقتني بنظرة عتاب ثم قالت _ " ماهذا التصرف يون هي ؟ كان يفترض بكـ الإنحناء و تقديم التحية .. ما خطبكـ ؟ " لم أرفع عيني عن الأرض و لم أنطق بكلمة واحدة بينما كان هناكـ الكثير حتى أقوله , و عند وصول سيارة الأجرة قفزت داخلها حتى أتهرب من الجواب , قبل أن تصعد والدتي حيت جارنا العجوز مجددا و الذي كان يستمر بلإبتسام بينما يسقي نباتاته و الأشجار حوله .
صادف اليوم إفتتاح محل تجاري جديد بجانب المركز القديم لذا كانت هناكـ عروض مغرية و حسومات على بعض القطع و تخفيضات لجلب الزبائن . عبرنا الباب الدوار لتستقبلنا إحدى العاملات التي كانت ترتدي زيها الرسمي , إنحنت في أدب و دلتنا على قسم الفساتين , آخر شيئ كنت أفكر فيه هو قراءة السعر على البطاقة بينما كان ذلكـ أول شيئ تفعله والدتي , كنت أجعل والدتي الحكم في اختيار ما سأشتريه , حتى أتمكن من نيل ما أريد , فكل الفساتين التي رأيتها جميلة و مغرية .
تفتلنا لبعض من الوقت الإضافي لأن أمي كانت تختار بعض الأجهزة الكهرومنزلية و التي وجدت أن سعرها مناسب , ثم توقفنا عند بائع المثلجات لنرتاح قيلا , فليس هناكـ عمل مرهق بهذا القدر من التسلية بالنسبة للمراة مثل التسوق , و كما تقول والدتي " التسوق دواء باهض الثمن " و على أية حال فقد قضينا وقتا ممتعا , و ساعدت أمي على نسيان حزنها و العودة للإبتسام مجددا , رغم أنني أعرف أن ذلكـ الشعور السيئ الذي يبقى عالقا في الحلق و يكبس على نفس الإنسان لا يزول بسهولة .
كطفلة صغيرة سعيدة بما اشترته ركضت لغرفتي عند وصولي للبيت و علقت فستاني الجديد في الخزانة و بقيت أتأمله لأعرف ما يناسبه ثم وضعت حقيبتي و الحذاء الذي اخترته بجانب بعضهما حتى أرتديهما في موعد اليوم و أغلقت خزانتي من جديد . كان صوت المفاتيح تتصادم مصدرة ذلكـ النغم العشوائي شيئا محبذا عندي لأن هذا يعني أن والدي قد وصل للبيت .
لم أحتمل تباطؤ عقارب الساعة في التحركـ حتى تصل الخامسة مساءا و يحل موعدي المنتظر . ارتميت فوق فراشي بعد غسل صحون الغداء و ترتيب الطاولة ,فتحت النافذة لأجدد هواء الغرفة فعلا صوت دايفد من خلالها , و الذي كان يقف امام بيته و ينبح فقط على لا شيئ . جلست فوق كرسي أمام المكتب و شغلت جهاز الكمبيوتر على حساب سو جين , و كان قد فاتني الكثير , بدا أن سو جين قد تحدثت معه كثيرا في غيابي , وصلت في وسط المحادثة التي دارت بينهما و كانت آخر رسالة _ " هل دايفد بخير ؟ فقد اشتقت إليه كثيرا . " تدخلت حينها و أرسلت رسالة بدلا من سو جين و قد كتبت فيها _ " دايفد المسكين قد رأى الكثير من الدماء ! ترى كيف له أن يكون بخير ؟ " و قد رد على الفور _ " لا بأس بذلكـ , فقد تعود على رؤية الدماء يا عزيزتي و أصبح يشتهي ذلكـ أحيانا كثيرة . " عندما قرأت محادثتهما السابقة كان قد سألها عن معرفتها بجده باركـ بونغ سوكـ فأخبرته أن لها صديقة تسكن بالقرب منهم و لهذا ظنها تعرف دايفد الكلب العجوز الذي كان ملكا له في السابق و من ثمة تركه عند جده فيما بعد , و هذه حقائق أخبرتني إياها أمي اليوم صباحا عندما كنا على متن سيارة الأجرة .
تأخرت في الرد لذا أرسل رسالة أخرى يسأل فيها _ " هل تعيشين بجانب جدي ؟ سيكون من الرائع لو كنتما جارين فبهذا سيتسنا لي رؤيتكـ عند القدوم إلى كوريا . " أنكرت معرفتي المقربة به كما هو الحال فعلا مع سو جين , و أخبرته أن موقعي موجود على صفحتي الشخصية و الذي قمت بتغييره البارحة عندما وردت تلكـ الرسالة , رغم أنه سبق وأخبرني أنه يعرف المنطقة التي أعيش فيها و ذلك عن طريق صفحتي الشخصية , فلما يدعي الآن أنه لا يعرف أين أسكن , و لم يطل استفساري كثيرا حتى أرسل رسالة أخرى ورد فيها _ " لا تخافي مني سو جين فأنا لن أوذيك , و لا تحاولي الكذب علي مجددا لأنني أعرف أين تسكنين و أحتفظ بعنوانكـ عندي , فنحن نعمل هكذا و لا يمكن خداعنا . " كنت قد بدأت أكتب ردا تبريريا حتى وصلتني رسالة أخرى ورد فيها _" كلميني أود سمعا صوتكـ " _ " من الأفضل أن لا تعبث معي , سأخلد إلى النوم الآن . " لم تكن تمضي ثانية حتى يرسل رده _ " هههه أرجو أن لا تسيئي فهمي سو جين , فأنا معجب بشجاعتكـ و طريقة كلامكـ , لهذا أردت أن أكلمكـ و بهذه الطريقة لن أكون بحاجة للمجيئ إلى كوريا بهذا الشكل المستعجل . " و أرسل رقمه الذي أكد لي أنه ليس السيد بارك بونغ سوكـ فهذا الرقم أجنبي , فكرت قليلا قبل أن أتصل به بعد أن أخفيت الرقم حتى لا يظهر عنده , وضعت الهاتف عند أذني و زادت ظربات قلبي عندما بدأ يرن ثم بعد بضع ثواني سمعته يقول _ " مساء الخير , آنسة سوجين ؟ " بقيت أسمع تنهيداته عبر الهاتف , كان صوته يبدو حنونا و لطيفا على الأذن , فأجبته _ " نعم أن سو جين , و يجب أن تكون عند وعدكـ و تمتنع عن القدوم . " سمعت صوت ضحكاته التي بدت مليئة بالمكر و الذي تلاها إجابته القائلة _ " طبعا سأكون كذلكـ , و أنا سعيد بسماع صوتكـ فهو جميل للغاية . " لم أقل شيئا لذا واصل _ " إذن أخبريني القليل عن نفسكـ . " _ " لسنا هنا للتحدث عني و إنما ما أريد معرفته حقيقة هو من تكـــون ؟ " _ " أظنكـ تعرفين اسمي و هذا كاف بالنسبة لكـ , أما ما أريد معرفته أنا هو تفاصيل ما رأيته بالضبط و كيف وصلتي لحسابي آنسة سو جين ؟؟ "
عادة الحديث بأسلوب رسمي و تلقيبي بالآنسة يعني أن وجهه قد تغير لمكر و بدأ في استجوابي لشيئ لا أعرف عنه شيئا بالواقع . حينها شعرت بخطورة الوضع الذي نمر به و أدركت أن لعبتنا الصغير تحولت إلى مغامرة خطيرة و ما عساي أفعل و قد عرف موقع سكن سو جين . و بينما أنا أفكر في صمت و أسمع صوت تنهيداته و في الخلفية صوت موسيقى أمريكية هادئة , علا صوت هاتف نقال بجانبه كانت الأغنية الخاصة بهاتف سامسونغ , توقف اللحن فجأة و تكلمت حينها قائلة _ " أجبني فقط بكل صراحة , هل أنت لص ؟ " شعرت بابتسامته الماكرة حين قال _ " بل أنا رجل مهام يا عزيزتي . و الآن يجب أن أذهب فلدي مهمة مستعجلة علي القضاء عليها . " _ " ماذا ؟ .." أغلق الخط و عاد صوت نباح دايفد مجددا كأنه قد شعر بأنني أكلم سيده السابق . أغلقت جهاز الكمبيوتر و رميت بجسدي على ظهر الكرسي و رحت أتأمل شجرة التفاح التي تتدلى أغصانها المزهرة لتلامس شباكـ نافذتي الحديدي .
أخرجت دفتر مذكراتي من درج المكتب و كتبت بعض من الملاحظات و الأفكار التي كانت تدور في عقلي و لم استطع إخبار أحد بها , ثم أخرجت صورة شين هاي من حيث وضعتها البارحة مساءا في الخزانة تحت ملابسي في الرف الأول , أخذتها من هناكـ و وضعتها مجددا بين صفحات دفتر المذكرات .
وقت الظهيرة , يوم ساخن يعمه الهدوء و نباح دايفد المتقطع , جعلني أشعر بالنعاس فاستلقيت على سريري و أغلقت عيناي حتى رحت في غيبوبة لم أصحي منها حتى الرابعة مساءا. كنت لاأزال أشعر بالتعب و بآلام حادة في رقبتي و كتفاي كم لو أنني كنت اخوض معاركـ عنيفة خلال نومي , رفعت جسدي بصعوبة من فوق الوسادة و اسندت بجسمي على قائمة السرير حتى أستعيد وعي على نحو كامل , نظرت إلى النافذة التي كان نصفها مغلقا حيث لازالت أغصان شجرة التفاح تسترق النظرمن خلال النافذة و تتمايل مع الريح كما لو أنها تحاول الإختباء من نظراتي المتواصلة لها , كان يبدو أن شمس الظهيرة الحارقة قد اختفت و أحاطت بالمنزل غيمة رمادية قاتمة , و أنا لا أزال أفكر هل نحن في الصباح أم المساء و ماالذي حل بالطقس خلال نومي ؟ و فجأة ! و في خضم هذه المشاعر المتضاربة تذكرت موعدي مع جي آه و أدركت أنني سأكون تمأخرة إن لم أسرع .
نهضت من سريري أحمل جسدي بصعوبة بسبب الآلام في كتفاي و غسلت وجهي مرارا حتى أستعيد رشدي بشكل كامل , ثم عدت إلى غرفتي و شرعت في تجهيز نفسي و أنا أراقب الساعة ثانية ثانية حتى أجعل الوقت يتباطئ , لكن لم تفلح معي هذه المرة . إستخدمت بعض مساحيق التجميل حتى أخفي أثر انتفاخ عيناي بسبب نومي حتى هذا الوقت , كنت أبدو جميلة حينما ألقيت نظرة على نفسي في المرآة كآخرة مرة قبل أن أخرج من الغرفة , كنت واثقة من أن مظهري مناسب تماما لهذا الموعد الذي كنت أتشوق له بشدة , و بأن كل شيئ سيكون على ما يرام .
رحت أعبث بكتلة الفرو المعلقة بسنسال ذهبي على طرف حقيبتي الصغيرة بينما أخطو نحو المقهى خطوات فتاة تشع طاقة و أمل , وصلت المقهى و تهت بعياناي في أرجائه أبحث عمن يدلني نحو وجهتي , حتى لمحت جي آه يلوح بيده في الهواء فصحوت من شرودي و تقدمت نحو طاولته و كنت آمل أنني لم أتأخر عنه كثيرا . بعد النظر إليه عن قرب لم يكن يبدو كأنه متشوق جدا للقائنا و لم يكن يبتسم كثيرا كالعادة و كأنه يمنع نفسه من الإعجاب بي , و الإعتراف بأنني أبدو مثيرة اليوم .
جلست بأدب على الكرسي بينما طلب هو النادل و بقينا نراقب بعضنا في صمت , عندما وصل النادل و هو شاب متوسط الطول يرتدي ملابس متأنقة و مئزرا بلون القهوة عليه بطاقة صغيرة كتب عليها اسمه بخط كوري واضح . كان يحمل في يديه دفترا صغيرا و قلما حتى يسجل الطلبات . نظر إليه جي آه و قال _ " كوب من القهوة المثلجة , ماذا عنك يون هي ؟ " كنت شاردة أحاول قراءة إسم النادل على البطاقة الملتصقة بمئزره عندما رأيته ينظر إلي بنظرة لم أعهدها من قبل , فشعرت أن النادل الذي لم أره إلى بضع مرات حين كنت أزور المقهى رفقة أصدقائي كان أقرب لي من جي آه الذي أعتبره أقرب إنسان إلى قلبي .
_ " نعم نفس الطلب لو سمحت سيد مون دوك . " تفاجأ النادل بمعرفتي لإسمه فابتسمت له و غادر على الفور بينما تغيرت نظرة جي آه نحوي و شعررت مجددا كما لو أنه يمنع نفسه من قول شيئ ما . حضر النادل طلبنا و وضعه فوق الطاولة حينها و أخيرا إنطلق جي آه في الكلام , توقف عن التصرف كشخص عاجز و صارحني مباشرة _ " يون هي , أظن أنه علينا أن نفترق . " هكذا و فقط دون تفسيرات مطولة قالها و تهيأ للإنصراف , فأمسكته من معصمه و جعلته يجلس مجددا كنت أجلس مذهولة و الدموع قد إغرورقت في عيناي , أوقفته قائلة _ " ماذا تقصد بننفصل ؟ ماالذي حصل بالضبط , أرجوكـ لا تتركني دون تفسير .. " كنت أمسكه بقوة من راحة يده و أتأمله بعيناي المدمعتين , إلا أنه أزاح يدي ببطئ عن يده و رشقني بنظرة تأسف مليئة بالتردد ثم انصرف فبقيت أراقبه من زجاج المقهى و هو يختفي من أمام ناظراي . كانت تلكـ اللحظة طويلة إلى درجة أن الزمن قد توقف عندها و سلب كل كياني معها , إبتسامة الفرح التي عهدتها في عينيه عند رؤيتي قد طبعت في سجل الذكريات .. و كل شيئ قد أصبح من الماضي .
عدت للبيت أتمايل كالثمل و ألقيت بجسدي على الفراش كجثة هامدة فيما بقيت أحتضر في داخلي , كان كل شيئ سيكون جيدا لو أنني لم أستيقظ اليوم من النوم و لم أذهب في موعدي , لكنني تأملت أكثر أن يكون كل شيئ على ما يرام , كان يبدو كأنه مكره على ذلكـ , فيما يقنع نفسه أنه واثق مما يقول . لقد كانت الليلة الأسوء في حياتي بحق , بقيت طيلة الليل أتقلب في فراشي و أعد المرات التي يرتطم فيها غصن الشجرة بزجاج النافذة , و أحيانا أخرى كنت أتجول في أنحاء الغرفة و أخاطب نفسي أمام المرآة التي ودعتها بفرح قبل أن أغادر , فصورة تلكـ الفتاة الطموحة و الناجحة قد تزعزعت الآن و ما بات بإمكاني إرجاعها , و قد تحولت إلى فتاة شاحبة و بشعة تخاطب نفسها كالمجنونة . فقد كنت بحاجة لأحدث أحد ما إلا أنني اتصلت بسو جين مرارا لكنها لم تجب . و أخيرا إستقررت على كرسي بجانب المكتب , أخرجت دفتر مذكراتي من الدرج و رحت أكتب و تمحي الدموع الحارقة التي لم تفارق عيناي بعض الكلمات , و على هذا الحال حتى حلت الساعة الثانية صباحا , شعرت ببعض النعاس و بثقل في جفوني فقمت لأنام على سريري فارتطمت قدمي بالمكتب و أنا أحاول الوقوف , فعدت بالكرسي للخلف و نهضت مجددا , و قد سقط على إثر ارتطامي بالمكتب دفتر مذكراتي لكنني عجزت عن حمله لذا تركته على حاله و خلدت للنوم .
يوم واحد .. و ينتهي كل شيئ .
نهضت في الصباح و الهالات السوداء حول العيناي المنتفختان تكاد تلامس الأرض , أخذت حماما دافئا و عرجت على غرفتي حتى أغير ثيابي قبل مغادرة المنزل فبشاعة وجهي تكفي ! كنت قد علقت فستان المأساة الذي إشترته لي أمي في الجزء المظلم من الخزانة كثوب منسي أو فستان زفاف لعروس ميتة . تناولت فطوري بصمت قاتل , بينما كان أبي يسرع فإلتهام فطوره كي لا يتأخر عن العمل . عندما خرجت إلى الشارع شعرت أن العالم يشاطرني حزني فقد كان اليوم غائما بشكل مخيف حتى أن دايفد لم يخرج لإلقاء التحية كالمعتاد , رحت أمشي بخطا متسارعة نحو متجر بيع الزهور الذي تعمل به آي را _ يمكنكـ هناكـ أن تشم رائحة الياسمين و الأقحوان على بعد متر من المحل _ دفعت الباب فرن الجرس الصغير المعلق أعلاه ليصدر صوتا جعل آي را تتنبه لوجودي , هي التي كانت مشغولة بترتيب باقة ورد منوعة , كنت أود أن أتوقف لأخبرها بكل شيئ حدث معي لكنني منعت نفسي فمشاكلها تكفيها و أنا لا أريدها أن تخاطبه بشئني فقد إنتهى كل شيئ بالنسبة لي , أخذت باقة أقحوان و خرجت مكسورة الخاطر و هذا ما بدى واضحا لها لكنها امتنعت عن العبث بجروحي .
في كل محطة من حياتي كنت أفقد شخصا عزيزا فمنذ سنتين فقط أصيبت صديقتي التي كانت روحي الثانية بسرطان خبيث أفقدها عافيتها و جعلها تلازم المستشفى و تتلقى العلاج للقضاء على ذلكـ الورم , كانت كم لو أن جزءا من روحي قد مات , فاعتدت القدوم إلى المشفى لرأيتها .
حتى أن الممرضات هناكـ تعودن على قدومي و كعكـ الأرز الشهي الذي كانت تعده أمي من أجلهن , كنت دائما عندما أقف أمام غرفتها أخشى أن أجد مريضة أخرى ترقد على سريرها , لأنني في كل مرة آتي كنت أرى وجوها جديدة فالحياة هناكـ أشبه بالمعجزة . طرقت الباب طرقة خفيفة ثم دفعته برفق ليطل علي سريرها الشاغر وسط تلكـ الغرفة التي تختنق برائحة الأدوية و وحشة الموت الذي يجول بين أروقة المشفى , تسارعت ضربات قلبي و شعرت بلإختناق فكيف لي أن أخسر شخصين عزيزين على قلبي بهذا الشكل المزعج , أغلقت الباب على منظر الطفين اللذان كانا ممددين في الأسرة المجاورة لسرير صديقتي كيم نانا , في لحظة ضعف كهذه لا يمكن قول الكثير , عدا أنني أود البكاء بشدة في حظن دافئ يفهم وجعي , أود أن أكون مع أشخاص أكثر صدقا و نقاءا مني , أشخاص لا تحتفض بهم الحياة طويلا فهم يذهبون سريعا من هذا العالم .
تراجعت للخلف ببطئ فلامس قدمي شيئ حاد , إستدرت متفاجأة فإذا بي أجد نانا على الكرسي المتحركـ , سقطت من فوري أمام الباب و لم أعد أستطيع حبس دموعي أكثر , فاقترب مني ذلكـ الحضن الدافئ الذي كنت بحاجة إليه و ضمني بقوة , ما جعل الممرضة التي كانت ترافقها تغادر إلى عملها . كانت تلكـ اللحظة أشبه بصدمت كهربائية أعادتني للحياة و شعرت الأمل قد دب من جديد في عروقي , بالرغم من أن سو جين صديقة رائعة و قد كانت هي من وقفت إلى جانبي عندما دخلت نانا المستشفى _ و هذا لا أنساه لها أبدا _ إلا أنني لم أكن أستطيع أن أشعر بهذا القدر من الراحة و السعادة إلى عندما أكون بجانبها , فكيم نانا بالنسبة لي هي محور حياتي .
بجانب غرفة نانا كانت تصطف ثلاث كراسي حديدية حمراء و قبالتها أخرى تماثلها كما هو الحال في كل أروقة المشفى , هناكـ جلست بينما سحبت نانا كرسيها لتصبح أمامي , مسحت الدموع التي رسمت خطوطا عريضة على وجهي و شرعت في سرد تفاصيل قصتي الطويلة , و نانا تصب كامل انتباهها لي , و من ثم فإنني أردت أن أسمع رأيها عن الموضوع فهي تعرف جي آه بشكل جيد و قد لاحظت أن تصرفه كان غريبا هذه المرة . أطبق على المكان صمت رهيب , يشبه الصمت الذي نسمعه في الكنائس عند آداء الصلاة , كانت تلكـ الطقوس أحد الأشياء التي تلتزم بها والدتي بينما لم يكن أبي يأمن بها إطلاقا . رحنا نتأمل بعضنا كم لو أن كل واحدة منا تنتظر الأخرى كي تنطق بكلمة , حتى اخترقت نانا ذلكـ الصمت الثقيل قائلة _ " أنت نفسكـ تشعرين بالغرابة من هذا الموقف المفاجئ الذي بدر منه , مما يعني أن هناكـ سببا خفيا جعله يقدم على ذلكـ . " أومأت برأسي موافقة فواصلت _ " حسنا إذا , ما رأيكـ أن أسئله بنفسي عندما يأتي لرئيتي كما اعتاد أن يفعل ؟ " أومات برأسي مجددا و إن لم أكن مقتنعة بهذه الفكرة فمعرفة السبب لن تعيد ما قد كسر أبدا , ثم إن جي آه ليس أكبر مشاكلي فحسب بل شبح حفيد السيد باركـ بونغ سوكـ لا يزال يلوح حولي في الأجواء .
كنت أطأطئ رأسي في حزن بينما أستمع لنانا و هي تهدأ من روعي , إلى أن توقفت عن الكلام فجأة , و شعرت بشخص يتوقف عند كرسي نانا , عندما رفعت رأسي إنصدمت برؤية جي آه يقف هناكـ و يمسكـ بمقبض الكرسي و ألقى كلمة بصوت خافت _ " أظن أنني أتيت في وقت غير مناسب , أراكي لاحقا نانا . " نهضت من مكاني و ابتسمت لنانا التي كانت تنظر إلي في ارتباكـ وسلمتها باقة الزهار قائلة _ " تفضلي إنه الورد الذي تحبينه , و الآن علي الذهاب بأية حال , إستمتعي برفقة جي آه , أكلمكـ مساءا . " عانقتها لمرة اخيرة و اختفيت في الممر بينما تركت تفاصيل قصتي التي لم تستكمل تشق طريقها دون أن أتدخل فقد يأست من التخطيط في كل شيئ .
نظرت للساعة كانت الحادية عشر صباحا بينما كنت في طريقي للبيت , وردتني مكالمة من جونغ لي , كنت مترددة في البداية لكن فضولي لم يسمح لي بعدم الإجابة , لذا رددت على مكالمته و بدأت أنا الكلام _ " مرحبا .. " _ " مرحبا عزيزتي سو جين , كيف حالكـ ؟ " إمتعضت و أجبته في استياء _ " ليس لدي الكثير من الوقت , اخبرني لما تتصل في هذا الوقت ؟ " سمعت ضحكته الخافتة عبر الهاتف , كما لو أنه يخبرني أن هذا عذر بائس للتهرب من مكالمته ثم سمعته يقول _ " لابد أنكـ متوترة فقد أخبرتكـ أنني سأصل اليوم لكوريا ؟ لكن تأكدي أنه لاجدوى من التهرب مني لذا سأراكي اليوم مساءا . " شعرت الدم يتجمد في عروقي ككل مرة أتحدث معه فيها , فكدت ألق الخط حتى سمعته يقول _ " لمذا تصمتين ؟ هذا يجعلني أشعر بالغضب , لكن على أية حال لاتغلقي خطكـ أبدا و دعينا على تواصل دائم حتى أعلمكـ أين نلتقي فأنا أكره من لا يأتون في موعدهم . " و أغلق الخط فورا .
شعرت بالتهديد حقا , و بخطورة اللعبة التي خضناها , لكن فجأة بدأت أضع إحتمالات أخرى ربما لأنها تناسبني أكثر , فمثلا ربما لايزال شبح السيد باركـ بونغ سوكـ يطاردنا إلا الآن و يحاول العبث مع سو جين لكونه لا يعرفها ؟ فانتهى بي الأمر أمام مئات التساؤلات و الإفتراضات التي تعيق صفو ذهني , رغم أنني عندما أفكر بقضية حفيد السيد بونغ سوكـ أخرج من حالة الإكتئاب التي أصابتني و أصبح في حالة ذعر و رعب شديدين . كنت امشي بمحاذاة بيت جارنا السيد باركـ فأخفظت وجهي و رفعت عيناي فقط لأرى إن كلن هناكـ شيئ مريب و ضيوف بالبيت ثم إنني لم ألمح شيئا لذا قطعت الشارع للوصول لبيتنا و قد شعرت بنفسي مغفلة عندما صدقت ما قاله جونغ لي قبل قليل .
عندما ولت للبيت شاركتهم وجبة ثم ساعدت أمي في تنظيف الأطباق و ترتيب المطبخ و بعدها ذهبت مباشرة إلى غرفتي , غيرت ملابسي التي كانت تفوح منهم رائحة الأدوية , استلقيت فوق سريري و عانقت دبي المحشو الذي أسمينه أوبـــا لأنه كان هدية جي آه في عيد ميلادي ,ثم أغلقت عيناي لأذهب في سبات دببي عميق , حتى سمعت صوت أمي من الغرفة المجاورة , بدى كأنه صوت نحيب ! تلاه صوت أبي الذي نادى علي حتى آتي .
عندما دخلت الغرفة كانت أمي جالسة على الأرض بجانبها أبي الذي يعانقها بينما هي غارقة في دموعها , أسرعت نحوهما و الدهشة تتملكني , أبتعد أبي حتى يجعلني أجلس في مكانه قرب أمي و راح يبحث عن مفاتيح سيارته في الغرفة , كانت أمي تمسكـ بجسدي بقوة بينما تتمتم بكلام لم أفهمه , نظرت إلى أبي الذي بدى غارقا في البحث , فأبعدت يدي أمي عني و قمت من مكاني , رفعت المفاتيح التي كانت موضوعة أمامه طيلة الوقت من فوق الطالة و وضعتها في يده , نظر إلي في دهشة فقلت له _ " ألن تخبرني ما الأمر الآن , ما خطب والدتي ؟ أرجوكـ أخبرني يا والدي . " إمتعض وجهه و اقترب أكثر مني بينما همس قائلا _ " لقد توفيت جدتكـ اليوم صباحا . "
كان يوما سيئا للجميع كما يبدو و لنقل لعائلتنا على الأقل , منظر أمي و هي تبكي بذلكـ الشكل , كان مرهقا جدا , فقمت و أحضرت حقيبة وضعت فيها ثوب العزاء الذي يخصها و أحضرت منشفة و بعض الأغراض الخاصة بها و وضعتها في صندوق السيارة , ثم عدت لأساعدها في تغير ملابسها . أخبرني أبي أنه لايمكنني مرافقتهم و علي البقاء و الإهتمام بالبيت و انه سيعود اليوم مساءا بعد أن يرافق والدتي لسويسرا . كنت أهز رأسي بنعم في كل مرة كان يطلب مني شيئا , و قد وعدته أنني سأهتم باليت في غيابه , ثم عانقت أمي للمرة الأخيرة و راقبتها و هي تغادر مع أبي في طريقهم للمطار .
دخلت البيت مجددا , و عانقت دوبي المحشو و أجهشت بالبكاء و جعلت صوتي يختنق تحت ذلكـ الدب حتى لايسمع بكائي أحد , كما لو أن أحدا بالبيت !!
كانت الساعة الخامسة مساءا عندما استيقظت من النوم , تفقدت البراد فوجدته فارغا لذا قررت أن أذهب للتسوق قليلا, كنت أرتدي فستانا من القماش الخفيف و بما أن السماء قد كانت تبدو ملبدة و الرياح الباردة كانت تتسلل لعظامي شيئا فشيئا فقد إرتديت سترتي الزهرية و خرجت من البيت , قصدت متجر البقالة الذي يبعد قرابة الشارعين عن البيت , إنتقيت الخضروات بعناية كما تفعل أمي في العادة و دفعت الفاتورة من بطاقة الإئتمان ثم خرجت من هناكـ و قررت الإتصال بأمي لأطمئن على حالها و أعرف إن وصلو , لكنني عندما وضعت يدي في حقيبتي لأبحث عن هاتفي لم يكن موجودا و بدله وجدت هاتف أمي هناكـ , فأدركت أنني أهملت وضعه في حقيبتي والدتي لذا خبأته مجددا لأنه خال من أي رصيد . كان النسيم العليل يداعب شعري بينما أمشي في الشارع الذي كان خاليا من الناس و لكن ما أزعجني هو صوت ورود رسائل نصية من حساب أمي خاص لذا أغلقته و فتحت بدله حسابي و بعد لحضات من ذلكـ وردني اتصال في الماسنجر من سو جين , كان قد مضى وقت منذ أن تحدثنا آخر مرة , عندما رددت على المكالمة أخبرتني أنها تنتظرني أمام البيت و قد طرقت الباب عدة مرات لكن أحد لم يجب , أخبرتها أن والداي ليسى في البيت و أنني في متجر البقالة و عودتي ستستغرق وقتا , كانت الأمطار تشتد بعض الشيئ لذا أخبرتها أن تدخل للبيت و أن المفتاح الإحتياطي في إصيص الزهور في وسط الشجيرات التي تقع بجانب البيت .
بقيت أنتظر في موقف الحافلات , بينما استمرت الأمطار تهطل فوق جسدي النحيل و قد إبتل شعري بالكامل لأن الحافلة تأخرت عن الوصول , جلست على مقعد الإنتظار الذي كان جافا لأنه كان مغطى , و بحثت في آخر الأخبار فعلمت أن حادثا قد وقع في الطريق السريع و كان سببا في توقف حركة المرور , لذا عدت مشيا على الأقدام للبيت , كنت أحتمي تحت بعض البنايات العالية و أبقي لأبتل في أوقات أخرى , حتى سمعت صوت هاتفي يرن , و قد كان المتصل هو جونغ لي ..
عرفت أنه سيستمر بالهراء الفارغ الذي يتفوه به دائما لذا لم أرد على اتصاله , و استمررت بالمشي حتى وردتني رسالة نصية وقد جاء فيها _ " لا تودين أن تردي على اتصالاتي ؟ لا بأس فأنا أمام بيتكم بأية حال و سأدخل قريبا , أم أنكـ لا تعلمين أنه بإمكاني اتباع إشارة هاتفكـ !! " شعرت أن حرارة جسدي ارتفعت فجأة و كل تلكـ الأمطار الغزيرة لم تعد تلامس جسدي و أدركت أن سو جين وحدها في البيت و هي على الأرجح في خطر . رحت أركض بكل سرعتي و لا أعلم ماذا يمكن أن أفعل غير ذلكـ فما ينتظرني في البيت شيئ لا يصدق .
عندما وصلت أمام باب بيتنا وقفت أنظر للحي فرأيته فارغا تماما , الكل انصرف إلى بيته ليحتمي من المطر , ثم إن البيت يبعد عن الطريق الرئيسي فلا يكثر الناس هنا بالعادة . لم يكن دايفد في مكانه المعتاد . أخرجت المفتاح من حقيبتي و وضعت يدي على مقبض الباب وأدخلت المفتاح في مكانه و حاولت إدارته فعرفت أن الباب غير مقفل , لذا أدرت القفل و دفعت الباب حتى صرت في وسط غرفة المعيشة و كان الصمت يحل على المكان , كنت أصعد السلالم للوصول لغرفتي حتى برز من أمامي شيئ غير واضح , صعدت درجا آخر و اقتربت من ذلكـ الطيف أكثر , حتى ظهر لي دايفد الذي أسرع نحوي عندما رآني حتى أنني كدت أسقط من الدرج . إحتضنته و حملقت بعيناي نحو الأعلى حيث كان باب غرفتي المغلق . بدأ دايفد يشد على ثيابي و يسحبني كأنه يحاول أن يدلني على مكان ثم عندما تركه صعد السلالم نحو باب غرفتي و بدأ يحاول فتحه , وقفت من مكاني و عاودت صعود الدرج حتى وصلت إلى باب الغرفة , وضعت يدي على المقبض و فتحت الباب !!
كانت سو جين جالسة بجانب السرير و على فمها شريط لاصق بينما كبلت قدميها و يديها بأطراف السرير , هرعت نحوها و ارتميت على الأرض فرشقتني بنظرة رعبة بالغة ثم لاحظت أنها لا تنظر إلي إستدرت خلفي فأغلق الباب بقوة , و رأيت شابا طويلا يرتدي بدلة سوداء و يغطي وجهه بلثام أسود و يضع فوق رأسه قبعة سوداء يقف أمامي , كان يحمل قضيبا من حديد و يقف منتصبا يرشقنا بنظرات حادة ,تراجعت للخلف و جلست بجاني سو جين و احتضنتها بقوة لأنها لم تبدو لي في حال جيدة فقد كان وجهها شاحبا و تبدو شاردة الذهن , بينما أدار هو كرسي المكتب و جلس قبالتنا , لمحت ابتسامة خبيثة تختبأ خلف لثامه و قد ارتسمت على عينيه بشكل واضح , ثم رأيته ينزع القبعة و اللثام و يضعهما جانبا . باعد بين قدميه و أحنا ظهره للأمام ثم قال _ " إذن فأنتن كنتن تسخر مني , هناك أمامي إثنان من سو جين , واحدة مزيفة و أخرى حقيقية . " لم تنبس كلتانا بأي كلمة و ظل هو يحدق فينا بنظرات خبيثة ثم واصل الحديث _ " كانق سو جين .. لما لم تخبريني من قبل أنكـ تعرفين أول سون ؟ " نظرت إليه سو جين في دهشة فواصل على الفور _ " أظنكـ لا تعرفين , و لكن أول سان كانت شريكتي في ما مضى , لقد كنا نقوم بعمل رائع معا . " فجأة قفزت لعقلي قصة الحريق القديم حتى سمعته يقول _ " لكنها اعتزلت هذه المهنة للأسف , و أخذت معها ندوبا تذكرها بالأمر . " حينها تدخلت قائلة _ " هل تقصد أن أول سون أشعلت الحريق بذلكـ البيت ؟ " حينها شعرت أنه صوب انتباهه نحوي فأجابني _ " حسنا بما أن سو جين لا تود أن تتحدث , أخبريني أنتي كيف تعرفين كل هذا عني و من أين لكـ بهذه الصورة ؟ " أخرج الصورة التي سقطت من مكتبي البارحة و وضعها أمامي , صورة الضحية أون سانق . لم أود الإجابة و جعله يعلم بأن والدي أحدد المحققين في قضيته , ثم سأل مجددا _ " هل حدث أنكـ تعرفين شخصا له علاقة بالحادث ؟ فرغم أن الحادث وقع في أحد بيوت هذا الحي إلا أنه من المستحيل أن تحصلي على هذه الصورة بسهولة , كما أن هذا حدث قبل خمس سنوات حيث كنت لا تزالين صغيرة . " تراجع بظهره للوراء و قال و قد بدى الغضب في عينيه _ " هل أنت جاسوسة أو ما شابه ؟ و هذه اللعبة السخيفة فقط للقبض علي ؟ " جاريته في لعبته و بدأت أتصنع القوة فابتسمت في خبث و قلت _ " جاسوسة ؟ هل هذا كل ما خطر ببالكـ ؟ أنا مجرد طالبة مراهقة , إختلقت كذبة فضيعة ! "
_ " إذن دعيني أخبركـ أشياءا لا تعرفينها , أول سون لم تكن تود قتل أحد , فنحن لم نتعود على هكذا أعمال , لكنني اضطررت للتخلص من والدة أون سانق حتى لا تكشف أمري . " كان يتحدث بشكل متقطع بينما يشرد كثيرا _ " لم أكن أعلم بأنها لازالت في البيت عندما أشعلت النار به , و لكنني كنت متأخرا على إنقاضها لأن الشرطة وصلت قبلي , و بهذا فقدت أول سون قدرتها على المشي و غادرت على الفور و تزوجت بشخص يكبرها سننا فقط حتى تستطيع العيش بكرامة لقد كان يستمر بملاحقتها لأنه أعجب بها و لكنها كانت متمردة و رفضته في كل مرة . و بفضلكـ سو جين قد التقيتها اليوم صباحا لأنني بحثت عن موقع البيت الذي كان على حسابكـ ووهو البيت الذي تقيمان فيه مع بعض , و لكنني عندما تتبعت الهاتف أدركت أنها فتاة أخرى فوصلت إلى هنا . " حينها ألقت سوجين كلمة لم تسمع بشكل واضح , ثم تنهدت و كررت كلامها بشكل مسموع هذه المرة _ " هل تقصد أن زوجة عمي كانت لصة ؟ " _ " و أخيرا تحدثتي و هذا كل ما استطعت قوله ؟ حسنا .. لنقل كانت بارعة في الخداع , ذلكـ أنها كانت ابنة غير شرعية مرمية في الشارع و مشردة فأنقذتها من التسول و جعلتها شريكتي في أعمالي . " بدأت أجمع خيوط القضية الغامضة التي لم يتم التوصل لحل لها , ركبت القطع الناقصة في مكانها و لم يبقى لي سوى معرفة السبب خلف قتله لأون سانغ , تذكرت أنه وقت دواء سو جين الذي وصفته لها الطبيبة في المرة السابقة لكنني عندما نظرت إليها كانت شبه فاقدة للوعي , و شعرت أن الدم قد جف من عروقها , لو بقيت أكثر على هذا الحال قد تصاب بسوء في قلبها .
فتح جونغ لي الباب , و سمح لكلبه بالدخول ثم قال _ " حسنا آنسة ... " كان يشير لي بيده حتى أخبره باسمي فأجبت قائلة _ " أحتاج للدواء الموضوع فوق الطاولة هلا ناولتني إياه ؟ " _ " كم هو طويل هذا الإسم ! ترى كيف يناديكي أصدقاؤكـ مع هذا الإسم المعقد ؟ " إستقطعت هرائه المستفز حتى أنقض صديقتي التي تحتظر _ " يون هي , هذا هو اسمي الآن , هلا ناولتني علبة الدواء و أحضرا كوبا من الماء , لن يستغرق ذلكـ وقتا و لن نهرب لأي مكان . " _ " ههه أنت فقط تمازحينني الان صحيح ؟ هي فقط ستموت براحة و ستريحني من عبئ قتله بيداي . " عرفت الآن مصيرنا على أية حال لم أكن أنتظر منه أقل من هذا .
حينها جلس مجددا في مقعده قرب المكتب و قال _ " إذن ألن تخبريني من أين لكـ بالصور آنسة يون هي ؟ و هل حدث أن كنت في البيت يوم الحادث ؟ " _ " كل ما أريد معرفته هل أنت حقا حفيد السيد باركـ بونغ سوكـ و هل تعرف أنه كان يستعمل صوركـ للعبث بالفتيات ؟ " _ " أجل أنا حفيد ذلكـ العجوز البشع الذي كان يهتم بكلبي المدلل , و لكـن ما قصة صوري هذه ؟ " _ " إنسى الأمر تلكـ القصة تسبب لي الصداع . " صمتت قليلا ثم أردفت _ " أود بما أننا سنموت على أية حال معرفة السبب خلف قتلكـ لأون سانغ .. " _ " هل معرفة السبب بهذه الأهمية بالنسبة لكـ ؟ " _ " اجل بما أنني سأدفع بحياتي ثمنا لمعرفتي لهذه الجريمة من الساس . " _ " لقد سمعت أنكما كنتما مقربين , إذن ما الذي جعلكت نقدم على هذا ؟ _ " أون سانق كانت خائنة لذا فهي تستحق ذلكـ بأية حال , لقد رعيتها بينما كانت لا تملكـ شيئا لكنها في مقابل ذالكـ تركتني ببساطة . " _ " هل كانت تعلم أنكـ قتلت عائلتها ؟ " _ " بالطبع لا فقد كنت بنظرها الفارس على حصان أبيض , الذي أنقذ حياتها . " _ " لقد سافرت لأمريكا لإنجاز بعض الأمور , و كان جدي يطلعني دائما على أخبارها لذا كنت مطمئنا . "
_ " إلا أن أخبرني في أحد المرات أن هناكـ شابا يتردد إلى منزلها كثيرا , ثم أخبرني أنه لا يراها في الحي كما أنها تركت العمل في محل بيع الورود , و توقفت عن الرد على مكالماتي , ثم علمت أن الخط قد بيع لشخص آخر . حينها أدركت أنها تركتني , لذا لم أعد إلى هنا و بقيت في أمريكا قرابة العام حيث أصبحت لدي معارف و بدأت العمل هناكـ و لكن عودتي إلى كوريا فتحت جراحي مجداا ثم إن القتل أصبح شيئا عاديا بالنسبة لي , فقمت بقتلها ببساطة . " _ " في بيتكما القديم ؟ " _ " أجل حيث تركتها آخر مرة , و حيث أحببتها أول مرة أيضا . " _ " لقد أشفقت عليها ليس إلا لأنني كنت السبب في موت أهلها , لذا جعلتها تسكن هنا , لكنها كانت رائعة و جعلتني أحبها , لقد كانت تعد لي الطعام و تطلب مني أن آتي لأخذه , لقد كانت تهتم بي كما لم يسبق لأحد أن فعل . " حينها جن جنونه و انتابته ثورة من الغضب و بدأ يصرخ و يشتم كثيرا , ثم خرج من الغرفة و كسر بعض الأشياء في البيت , حينها سمعت سو جين تتمتم ببعض كلمات , عانقتها مجددا و طلبت منها أن تهدأ , لكنها قاطعتني قائلة _ " أنا آسفة لما حدث بينكـ و بين جي آه , لقد كنت فتاة أنانية و لم أسئل عن حالكـ حتى . " _ " لا بأس بذلكـ سو , لا تقلقي نفسكـ بأمور تافهة , لقد تخطيت الأمر بالفعل . " إستغللت غيابه عن الغرفة و رحت أبحث عن شيئ حاد أقطع به الحبل الذي ربطت به سو جين حتى نستطيع الهرب , فحالتها تزداد سوءا , حتى سمعتها تقول _ " لقد أرسلت محادثتكـ السابقة مع السيد بونغ سوكـ إلى جيه آه لجعلكما تنفصلان ." توقفت عن محاولة حل قيودها و صفنت في ملامح وجهها و هي تحتضر بينما تخبرني بخيانتها لي , ثم مسحت دموعها و قلت _ " لم يعد هذا مهما الآن , علينا إخراجكـ من هنا أولا . " وضعت يدها على يدي لتوقفني و قالت _ " لقد كنت معجبة به بشدة , لم أستطع أن أتقبل فكرة أنه لم يهتم بي و وقع في حبكـ أنت , لقد أخطأت في حقكـ كثيرا , لذا أستحق ما يحدث لي . " صمتت ثم واصلت _ " في الواقع أنا هي من كانت تتحدث معكـ على هيئة حفيد السيد باركـ بونغ سوكـ , و لم يكن للسيد باركـ أي علاقة بالأمر , أنت تعلمين عن هوايتي في جمع الصور , لقد وجدت تلكـ الصور في مدونة السيد باركـ لذا احتفظت بهم عندي و استخدمتهم لخداعكـ , أنا آسفة جدا . " ثم راحت تغني أغنيتها الغريبة التي غنتها لي آخر مرة عندما كنت أبكي . الآن و قد حصلت على تفسير لتصرف جي آه الغريب تمنيت لو أنني لم أعلم بالحقيقة ’ لقد خشي جي آه على مشاعري و أن يصارحني بأنه يعلم بخيانتي , لقد سامحته الآن على الأقل ...
لم أناقشها في شيئ إطلاقا بل واصلت التهدئة من أعصابها بينما كانت تبدو أنها لن تستمر طويلا في المقاومة , حتى دخل جونغ لي إلى الغرفة , هيأ مسدسه و صوبه على رأسي , توقفت عن محاولة حل قيود سو جين و استدرت لأرى المسدس صار على جبهتي , إتسعت حدقة عيني و رأيت شريط حياتي يمر أمام ناظراي و قد كان قصيرا جدا , بدأت أفكر أنني لازلت صغيرة و ليس لي حبيب حتى و أنا سيئة في المدرسة و علي و أن أمنح فرصة ثانية لأصحح ما أخطأت به . كان يقف و يوجه المسدس نحوي ثم قال _ " لما يوجد أصفاد و شارة شرطي فوق المكتب في الغرفة المجاورة ؟ هل أنت ابنة شرطي ؟ إذن هذا هو السبب الذي جعلكـ تعرفين بكل شيئ حيالي ." لم أستدر حتى كي أواجهه و استمررت أحل قيود سو جين التي كانت قد فقدت الوعي تماما , شعرت بملمس المسدس على رأسي حين قال " إذن ما آخر كلماتكـ آنسة يون هي ؟ فليس لدي الكثير من الوقت و أنت و الجثة التي بجانبكـ تشكلان تهديدا لحياتي في الوقت الراهن , لذا لابد من هذه الأعمال الروتينية كما تعلمين " التخلص من القمامة " . " حاولت جاهدة إقناعه بأننا لن نخبر أحدا عما علمنا به لكن لم أتوقع أن يصدق ذلكـ حتى و هو يشكـ أنني عميلة سرية أحقق في أمره أو ما شابه . أغمضت عيناي و جعلت جسدي أمام سو جين التي كانت تبدو أنها فقدت إتصالها مع الحياة و أغمضت عيناي و سمعته يضغط على الزناد و لأنه كان يضع كاتم صوت على المسدس لم أنتظر سماع صوت الطلق الناري بل كان يكفي أن أشعر به يخترق جسدي , لكن فجاة سمعت صوت طلق ناري فتحت عيناي فرأيت دايفد ينقذني , لقد إنقظ على صاحبه حين كان يحاول قتلي مما جعل كاتم الصوت ينفكـ و يسقط أرضا و أطلقت الرصاصة على الحائط , كان جونغ لي ملقا على الأرض و قد ارتطم رأسه بحافة المكتب عندما كان يسقط بينما ارتمى فوقه دايفد يلعق وجهه حتى يستفيق , لكنه سرعان ما استعاد وعيه و رمى بدايفد جانبا و راح يبحث على مسدسه تحت السرير , حتى سمعت صوت أبي ينادي علي , فلا بد أنه سمع صوت الطلق الناري , حينها لاذ السيد لي بالفرار , قفز من النافذة و اختفى من أمامي .
ناديت على أبي كي يأتي , عانقني بقوة و سألني عن حالي و كان قد رأى سو جين ممددة على الأرض , لكنن طلبت منه أن يلحق بجونغ لي فهو قاتل يحمل في رقبته آلاف الأرواح المسكينة . أخذ أبي دايفد معه كي يدله على أثر جونغ لي الذي أعتقد أنه لم يبتعد كثيرا بسبب الظربة التي تلقاها على رأسه , بقيت أنظر لسوجين الممددة أمامي , تذكرت كلامها عن جي آه و رأيت أثر الرصاصة التي اخترقت جدار غرفتي و التي كانت ستخترق قلبي منذ لحضات , كانت دموعي تنهمر فوق خدي سو جين و بدأت أفكر أن الخطأ ليس خطأها وحدها فقلد كنت أعرف أنها مانت معجبة به من قبل أن أتواعد معه لكنني كذبت على نفسي و أنكرت معرفتي بالأمر , و بدل أن أجنبها أن تلقاه كنت أحكي لها عنه دائما و أطلب منها أن ترافقنا حين نخرجمع الأصدقاء , أظن أن الخطأ يقع أخيرا علي وحدي , و كل ما يحدث معنا الآن هو سبب أنا وحدي .
في تلكـ الأثناء كان والدي يبحث عن السيد لي و قد دله دايفد على مكانه , فهو لا يخطأ رائحة سيده , و ربما ظن نفسه أنه ينقظ صاحبه بينما كان يقوده للهلاكـ , و بعد محاولة فاشلة للهرب أمسكـ به والدي , و أخبرني أنه اختبأ في متجر الزهور حيث تعمل آي را , و قد حاول قتلها حين أمسكـ به والدي , لكنها تملصت منه و استطاعت النجاة بحياتها . حينها شعرت أنني أسبب الأذية لكل الناس الذين أعرفهم , لقد نبشت في قضية مضت عليها خمس سنوات و كدت أتسبب بموت الجميع .
نقلت سو جين إلى المستشفى لكنها لم تعش طويلا , ودعت والدتها و أغمضت عينيها و رحلت وحيدة في هذا اليوم الشؤوم , أتت الشرطة في ذلكـ الليل و تفحصت البيت و التقطت بعض الصور لغرفتي بينما خضعت أنا لاستجواب في مركز الشرطة , كنت خائفة أن يتم حبسي لأنني تلاعبت و سو جين بالسيد لي و لكن الأمر مضى بسلام و قد حصل أبي على ترقية لإمساكه بالقاتل و تسليمه للعدالة و كان الجميع في حالة صدمة كبرى , فقد تصرفت بتهور و قد صعق والدي لأنه لم يستطع معرفة كل ما كان يدور و تذكر أنه أخبرني بكل القصة تلكـ الليلة . نمت تلكـ الليلة على صوت السيد جونغ لي الذي لم يفارق أذناي , ضحكته الخبيثة على سماعة الهاتف و كلماته الأخيرة التي كنت أشعر بفزع شديد كلما تذكرتها كما لو أن الحادثة تتكرر كل مرة .
إستيقظت في ذلكـ اليوم مبكرا , نظرت إلى مكان الرصاصة على الحائط و شعرت بأنني أعيش كل شيئ من جديد , و لم أحتمل البقاء دقيقة في البيت , قررت الذهاب للثانوية لذا إرتديت ملابسي المدرسية بكل تأني و مشطت شعري و وضعت ربطة شعر بيضاء لأشاركـ في الحداد . خرجت من البيت عندما كان أبي لا يزال نائما فلم أشأ إيقاظه بعد ليلتنا الحافلة التي قظيناها البارحة , نظرت إلى بيت دايفد فرأيته ينام بسلام هناكـ و كأن شيئا لم يحدث , ثم فكرت هل يعلم السيد باركـ بما حدث ليلة البارحة , كان يمكن أن أخمن أنه لا يملكـ سلطة على حفيده المتمرد و ربما يشعر بالخزي و العار من أن يعترف به أصلا . واصلت طريقي مرورا بمتجر آي را , ذلكـ كان يمكن أن يكون مسرح جريمة فهو يحمل لجونغ لي ذكريات سيئة عن حبيبته المتوفاة , ثم وصلت إلى موقف الحافلات , إستقليت أول حافلة أوصلتني إلى المدرسة و شاركت أصدقائي العزاء على روح سو جين , كان الجميع في المدرسة يعرفون بالأمر و قد ألقى المدير كلمة إفتتاحية عزا فيها جيمع الطلاب و تمنينا لها أن ترقد بسلام حيث هي . بعدها خرجت مباشرة من المدرسة و اتجهت إلى حيث يقام العزاء إستقبلتني السيدة أول سون زوجة عم سو جين و جلست بجانبي و قدمت لي الطعام , أخذت زهرة من إكليل الورود البيضاء و ودعت صديقتي سو جين لآخر مرة و غادرت المكان , وجه السيدة أول سون الذي كان يحمل الكثير من الحب في نظري تحول إلى شخص غريب لم يعد يروقني , فكل ما حدث إلى الآن كانت هي سبب فيه بشكل أو بآخر .
عدت للبيت مجددا , وقفت في طريق العودة أمام بيت السيد باركـ , كان يقف هناكـ يسقي نباتاته , ألقيت عليه التحية و دخلت البيت , فقد كنت أشعر بلإحراج لأنني اعتقدت أنه كان الشخص الذي حدثني على حساب جونغ لي , و الذي كان في الأصل سو جين , فشعرت بالغرابة لما آلت له حياتي المعقدة , هذا كله بسبب كذبة صغيرة
ايمان.